الكاتب المغربي / عبدالله بومزور يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "نبتة الشّفاء"


الكاتب المغربي / عبدالله بومزور يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "نبتة الشّفاء"

 


في مملكته عاش الملك شاه محبوباً مقبولاً بعدله وإحسانه لشعبه.يُنصِف المظلوم ويُكرم المحروم، وكانت له زوجة- اسمها شمس- تسره إذا نظر إليها، وتُطعيه إذا أمرها، وكانت تفقه في طب الأعشاب.

عاشا هنيئين سعيدين في مملكتهما، وكدأب الملوك كان حريصاً على معرفة وضع بلاده ومايروج فيها من أحداث وظواهر خفية. خصص مسوؤلين يأتونه بأخبار البلاد، ولكن ليتأكد بنفسه من صدق الأنباء عمل حيلة بالإستعانة بدواء أهداه له أحد المتسولين، من الذين أكرمهم وأحسن إليهم. قال له وهو يمد إليه قلادة عجيبة :

'' فليقبل ملكنا الكريم هذه القلادة مني، فما عليك إلاّ فتحها واستنشاق العطر الموجود بداخلها وستتحول إلى طائر وتستطيع التحليق ''.

قبل الملك الهدية الثمينة وكان يعتمد عليها فيخرج ليلاً متنكرأ في هيئة طائر بعد أن يتسلل من نافذة في القصر؛ فيجول محلقاً في البلاد ليتفقد أحوال الرعية.

فطن بعض أعدائه لفعلته فقاموا بنثر كمية كبيرة من الزجاج في طريقه وجنب النافذة التي يقفز منها، ولما كان عائداً تلك الليلة إلى قصره أصيب بجروح وخدوش في جلده، وانتشر الألم في جسده. غضب ولم ينم جنب زوجته بل جر رجليه بتثاقل و سرَّج حصاناً وامتطاه وذهب لقصر أخر في ناحية أخرى في تلك المدينة وهو يقطر دماً. ثُم إنه صمم على الإنتقام من زوجته حين يبرأ لِظنّه أنها هي التي كادت له تلك المكيدة. أما هي فلما أفاقت في الصباح، رأت بقع دم على الأرض واستغربت لزوجها وكيف أنه هجر من غير علمها، وبحسن نيتها ساق القدر عصفوراً فوقف جنبها وبدأ يتكلم مخبراً إياها فقال :

" لقد ظن الملك أن زوجته هي التي نثرث الزجاج في طريقه وآذته لذاك رحل إلى القصر الأخر بغرض الشفاء، ولقد صمم على قتلها حين يقفل عائداً إليها ".

اطمئنت الزوجة البريئة وشكرت ربها الذي بعث العصفور ليُعْلِمها بالحدث. بدورها جالت وجلبت نبتة نابتة فيها حكمة ثابتة؛ تُسَكّن الألم وتشفي الجراح.

امتطت حصانها الوفي، الذي كان يساندها في المهمات الصعبة، وتفهم معنى حنحنته؛ تقترب منه فتفهم مراده. حملت معها كيساً مملوءاً بالنبتة الحكيمة، وقصدت مكان الملك.

كانت مُلثمة وتدعي أنها رجل وقد غلّظت صوتها وأخبرت الحراس أنها طبيب عنده شفاء فعال للملك . استأذن الخدم الملك فأذن لهم بإدخالها. تظاهرت بكونها رجلاً وأن الحكمة عندها في الشفاء هي إبقاء وجهها  مستوراً.قبل الملك شرطها وشرعت في تطبيبه وقالت له :

" يلزمك سبعة أيام من أجل الشفاء ".

في الليلة الأولى، حين طببته رافقها أحد الحرس لغرفة نومها، فرفضت واقترحت أن تنام جنب حصانها في ساحة خضراء معشوشبة داخل القصر، فجهزوا لها فراشاً هناك. وهي تهم أن تنام نحنح حصانها ودنت منه مُتظاهرة بعلفه، فهمس لها قائلاً :

 '' حين تشرعين في الأكل، كلي من جهة واحدة من الطّبق، فإني سمعت بعض الحراس يقولون : 

'' لقد أمرنا الملك أن نُعد له مالذّ وطاب من الفواكه في طبق كبير لنرى هل سيتذوق الفواكه من كل الجوانب أم سيكتفي بما يليه، فإن مدّ يده لكل جوانب الطبق، فسنشك أنه امرأة لارجل ''.

نامت في هدوء والنجوم تؤنسها حتى مطلع الشمس، قامت وراحت للملك تتحسس من أمره، وعالجته مغيرة أوراق النبتة بأخرى طرية.قبيل الغذاء أدخلها الخدم إلى غرفة الطعام مقدمين لها طبقاً مملوءاً بالفواكه، وتذكرت نصح الحصان، فتذوقت بعضاً مما يليها فقط. فبادرها أحدهم : '' تذوق كما يحلو لك من كل الثمار أيها الطبيب ''، فردّت قائلة : 

  '' اكتفي بهذا، أشكركم على كرمكم ''.

ضلت شمس ثابتة مستعينة بتلك النبتة النابتة حتى مضت المهلة التي أعطتها للملك، فظهرت علامات الشفاء على جلده، فشكرها وأكرمها بغزارة ثُم رحلت. 

مع حلول الليل انطلق الملك إلى قصر شمس ليفي بوعده ويقتلها، ولما دنا من القصر سمعت وقع أقدام فرسه و صوت السيف يُسل من غمده؛ فُتِحَ الباب فبادرته بقولها :

" أسألك بالله ياعزيزي شاه بالذي أرسل لك طبيباً فشفاك وطببّك " 

فذُهل بما سمع فسألها والحيرة تبدو على محياه :

" من الذي أخبرك بذلك ؟ ''

فقصت عليه القصة، وأنها تنكرت كي تنجو من شكه وبطشه أولاً، وداوته لتُبرهن له على إخلاصها ثانياً.

لم يتمالك الملك نفسه فجثا على ركبتيه ورمى السيف بعيداً، لقد أدرك هول المصيبة التي كاد أن يسببها. هز رأسه إلى وقال : 

" شمسي لقد علمني إخلاصك أن العلاقات بسوء الظن تنهدم، وبحسن الظن تُرَمَّم " .

 انتهت القصة بعناق الملك شاه زوجته شمس وإعلان انتصار الخير.


                                                              




Share To: