فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : البشارة بالنبي محمد 


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : البشارة بالنبي محمد


يقول الله تعالى في محكم آياته : 


وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ


سورة الصف


ويقول الله تعالى : 


الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ


سورة الأعراف 


وفي الصحيحين واللفظ لمسلم :


عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :


 إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِى يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِى لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ . 


وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا .


هذا خليل الله إبراهيم، يبتهل راجيا ربه أن يعجل ببعثة البشير النذير، والسراج المنير ، والرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام : 


رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ


سورة البقرة 


 وهذا كليم الله موسى عليه السلام، يلقن قومه رسالة التوراة، ومن نصوصها المقدسة ما راوه عَطَاء بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : 


لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي التَّوْرَاةِ ؟ 


قَالَ : أَجَلْ ؛ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ :


 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ؛ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا .


رواه البخاري   


وهذا سيدنا عيسى عليه السلام ، يأخذ عهدا على قومه، أن يسارعوا إن أدركهم زمان محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الإيمان به واتباعه ، قال تعالى : 


وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 


 سورةالصف 


 يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :


 نحمل الاسم في قوله اسْمُهُ أَحْمَدُ على ما يجمع بين هذه الاستعمالات الثلاثة : أي : مسماه أحمد ، وذِكْرُهُ أحمد ، وعَلَمُه أحمد . 


فالوصف بـ أحمد بالنسبة للمعنى الأول في  اسم  أن مسمى هذا الرسول ونفسه موصوفة بأقوى ما يحمد عليه محمود ، فيشمل ذلك جميع صفات الكمال النفسانية والخُلُقِية والخَلْقِيَّة والنسبية والقومية وغير ذلك مما هو معدود من الكمالات الذاتية والعرضية .


 والوصف بـ أحمد على المعنى الثاني في الاسم  أن سمعته وذكره في جيله والأجيال بعده موصوف بأنه أشد ذكر محمود وسمعة محمودة .


وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : 


وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ .


 رواه الترمذي 


وأن الله يبعثه مقاما محمودا . 


ووصف أحمد بالنسبة إلى المعنى الثالث في الاسم رمز إلى أنه اسمه العلم ، يكون بمعنى : أحمد ، فإن لفظ ” مُحَمَّد ” اسم مفعول مِن ” حمَّد ” المضاعف الدال على كثرة حمد الحامدين إياه ، فاسم ” محمد ” يفيد معنى : المحمود حمدا كثيرا ورمز إليه بأحمد .


وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليه السلام أراد الله بها أن تكون شعارا لجماع صفات الرسول الموعود به صلى الله عليه وسلم ، صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالا بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني ، ووكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ، ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة .


 وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:


 مَكْتُوبٌ في الإِنْجِيلِ: لا فَظٌّ ولا غَلِيظٌ ولاَ سَخَّابٌ بِالأَسْوَاقِ، ولا يَجْزِي بالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا؛ بَلْ يَعْفُو ويَصْفَحُ .


رواه الحاكم وصححه الذهبي .


وقد كثرت البشارات بقدوم النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، تارة بوصفه أستاذ العالم، وأخرى بتسميته ( الفارقليط )، بل كان ثمة جزء كبير من رسالة عيسى عليه السلام إلى قومه قائما على التبشير بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، لكن اليهود خاصتهم وعامتهم، ورهبانهم وأحبارهم قد انساقوا خلف الشهوات، وحادوا الله سبحانه وتعالى، بل ووقفوا ضد رسالة عيسى عليه السلام، وقاموا بقتل يحيى عليه السلام وغيره من أنبياء الله الذين جاءوا لهدايتهم، ورغم ذلك فإن الإنجيل لا يزال يشهد في مواضع عديدة بالحق الذي يأتي من بعد عيسى عليه السلام ، والمتمثل في محمد

والمتمثل في محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته الخاتمة الخالدة. 


ويتباهى صلى الله عليه وسلم بهذه الالتفاتة الكرية المشرفة من جده الخليل وأخيه عيسى عليهم السلام حيث سُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: 


ما كان بُدُوُّ أمرِكَ ؟ 


قال: دَعوَةُ أبي إبراهيمَ وبُشرَى عيسَى ورأَتْ أُمِّي كأنَّه خرَج منها نُورٌ أضاءَتْ له قُصورُ الشَّامِ


رواه الطبراني في معجمه   


فلم تزل الأنبياء تبشر برسول الله صلى الله عليه وسلم وتصفه لأممها في الكتب، وتأمرهم باتباعه ونصره ومؤازرته إذا بعث .


قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليتبعنه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته, لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه .


 وكان أول ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده عليهم الصلاة والسلام حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، ثم على لسان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فهو صلى الله عليه وسلم سليل دوحة المصطفين الأخيار ، من الرسل والأنبياء الأبرار الأطهار .


قال تعالى : 


وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ 


سورة الاحزاب   


وهو صلى الله عليه وسلم  لبنة التمام والكمال والجمال ، فبدونها يبقى البناء معيبا، لا يبهج الناظرين، ولا يستقيم للمتأملين ، فاصطفاه الله صلى الله عليه وسلم، فكان أهلا لها، يقول صلى الله عليه وسلم متحدثا بنعمة الله عليه كما في الصحيحين : 


عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :


مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ .


فبشراك يا أمة الإسلام ، ويا أمة أحمد ، ويا أمة محمد ، بشراك للأمة ببنيان شريعة يبهج الناظرين، ويقيم وأد الحيارى المعوزين، ويصلح شؤون الأولين والآخرين، فضلا من الله ونعمة، قال تعالى : 


الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا 


سورة المائدة

Share To: