كنت أهبل!! | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


كنت أهبل!! | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد



كثُرت أخبار الانتحار وسط الشباب في الآونة الأخيرة، وبات الأمر قريبًا وليس ببعيد كما كنا نعتقد ونتصور، وأشخاص قد نعرفهم شخصيًا نتفاجأ بأنهم أقدموا على قتل أنفسهم أو حاولوا.

قد تختلف الأسباب، لكن تشترك جميعها في الخذلان وانعدام الثقة فيمن كنا نظن أنهم سندًا وعضد، في هذه اللحظة فقط ومع قلةٍ في الإيمان وضعفٍ في الصلة مع الله، يجد الإنسان نفسه وكأن العالم أفلت يده، وسقط الجدار الذي كان يتكئ عليه، فلا يرى إلى سوادًا، ويُتهيأ له أن لا مخرج إلا الهروب ووضع حد لمعركته مع الحياة والتعجيل برفع رايته البيضاء بدلًا عن علامة النصر.

في واحدة من ولايات أمريكا، يوجد جسر شهير يقصده كل من يقرر وضع حد لحياته، فيقفز من أعلى الجسر إلى البحر ويموت، بعض المجموعات التطوعية كانت تعمل في ذلك المكان لمنع وانقاذ حياة أولئك المقدمون على الانتحار بمنعهم من السقوط واعادتهم إلى الحياة عنوةً، أحد الباحثين قام بإجراء دراسة على نحو 500 شخص من أولئك الذين حاولوا الانتحار وتم إنقاذهم، فتابعهم في حياتهم من بعد ذلك الحادث، وعندما سألهم بعد مرور وقت معين عن الأسباب التي قادتهم إلى إنهاء حياتهم في ذلك الوقت، وجد أن 94% منهم كانت واجباتهم تتمحور حول " كنت أهبل/هبلة" أي استغربوا من نفسهم وكيف أنهم تعجّلوا الرحيل لأسباب اكتشفوا بمرور الزمن أنها كانت تافهة ولا تستحق.


قبل أيام انتشر على منصات التواصل السودانية خبر انتحار طالبة جامعية، وبالرجوع إلى منشوراتها السابقة وكتابات أصدقاءها في رثائها أنها كانت تعاني بشدة من الكبت والتضييق الأسري، حتى أنها كانت تتعرض للعنف بسبب أسلوب حياتها الذي تراه الأسرة يتعارض مع مبادئها وقناعاتها، فلم تجد تلك الشابة الصغيرة مخرجًا غير بوابة الخروج الأبدي الذي ليس منه عودة للحياة التي لطالما أحبتها وحلمت وجاهدت لأن تعيشها بطريقتها وتخوض تجربتها، لكن كان لأهلها رأيًا آخر فقتلوها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.


إلى الآباء والأمهات: ربوا أبنائكم لزمانٍ غير زمانكم، وتقرّبوا منهم وأحبوهم وشجعوهم على أن يكونوا أنفسهم لا نسخًا عنكم، يتبنوا أفكاركم ويطبقوا مناهجكم ويحققوا أحلامكم التي فشلتم في الوصول إليها، فمن الظلم أن تنجب طفلًا إلى هذا العالم فتحاصره وتقيّده! فالأبوة لا تعني الامتلاك، وانما بذر الأخلاق والقيّم النبيلة في تربة الأبناء ثم اطلاق سراحهم بكل ثقة ليعيشوا! فإذا صلُح الحرث أثمرت الأرض نباتًا طيبًا، وأخرجتم للمجتمع أبناءًا صالحين نافعين غير مغضوب عليهم ولا ضآلين.

Share To: