مَتَـىٰ أَعْرِفُ أنِّـي بِخيـر.. ؟! | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم.
🔅أعرفُ أنِّي بخير حين أحتسي العطرَ خمرًا من كؤوسِ الزَّهر؛ تُصافحُ رُوحي الرِّيح لِتَخلقَ في أثيرِ فضائها لوحة ربيع أبديَّة مُطرَّزة بِرُفاتِ من رَاحوا، ومن علىٰ حافّةِ الرَّحيل؛ ومن بقيَ في القلبِ بسطوةِ الحُبِّ..
🔅أعرفُ أنِّي بخير حين تغدو عيني مقبرةً لإرثِ أمي؛ فأرىٰ في أعوامي الثَّلاثينيَّة ما رأتْهُ هيَ في الخمسين؛ لأعيشَ التَّاريخ في المستقبل..
🔅أعرفُ أنِّي بِخير حينَ آنسُ بِوحدتي؛ وأقدِّس مساحةَ اللَّيل الأبيض حيثُ النُّجوم تتساقطُ علىٰ الوَرق، وتبوحُ النَّفسُ للنَّفسِ بِشيءٍ لا يعرفهُ إلاَّ من هو أقرب لحبلِ الوريد..
🔅أعرفُ أنّي بخير حينَ أهتمُّ بِضحكِ الأطفال الذي يقهر مرارةَ الحرب، وذُلَّ الدَّمار، وقتمَا لا أفقدُ إيماني بالعودة، وأنَّ عليَّ ردُّ قبضةِ الطِينِ بِكفّي الّتي سرقتُها من آنية الزَّرع في السَّاعةِ الأخيرة قُبيل السَّفر من علىٰ سطح داري بالشَّام، سأضعُ بذور الريحان والزعتر من جديد، وأعيدُ جنّةَ الياسمين الصغيرة تمامًا كما كانتْ تُهندِسُها أُمِّي بِشغف..
🔅أعرفُ أنِّي بخير حين لا أنسىٰ عِناقي العميق لهضبةِ الجُولان، وعيناي الّتي مازالتْ تقفُ هُناك تتجاوز المَناطق المحظورة تتحدَّىٰ وجود ذاكَ الكيان الصُّهيوني الغاصب؛ وفي فَمِي رَشْفَةُ الماء الَّتي منحتْ لي سرًّا من سراديبِ "بيتِ جِنْ" بأنَّ هذي الأرض لا يرِثُها إلاَّ عبادُ الرَّحمن الصَّالحين..
🔅أعرفُ أنِّي بخير حين أتجاوزُ كُلَّ تلكَ النَّظرات الَّتي تُتَمْتِم سَاخرةً "سَتَموتُ وحيدةً تِلكَ الفَتاةَ وسطَ كُتُبِها"؛ عندما تغدو كلمة "عَانس" باردة علىٰ أُذني تُحدِثُ طَربًا خاصًّا من الدُّعابة الخَفِيفة، حينَ أُرْبِكهم في تَقييمي بأنِّي مغرورة أم متواضعة أو امتلكُ ثِقة زائدة بالنَّفسِ، أُشْفقُ عَليهم أنَّهم لا يَفقهون مَنطقَ الورد بِرِقَّتِهِ وَشَوْكِهِ.
🔅أطمئنُّ علىٰ اِتِّزاني حينَ يكون اتِّصال هَاتفي مع صديقتي المُقرَّبة أعزُّ عليَّ من لقاءِ خطَّابة تَعدُني بِزواجٍ هانئٍ؛ فالأوّل يُضفي بَهجةً علىٰ النَّفس لا شكَّ فيها، أما الثاني يحتاجُ جَلساتٍ من العَصفِ الذِّهني، وألفَ سؤالٍ عن المَاهيَّة والغَائيَّة من طرقَةِ البابِ إلىٰ طلبِ اليد؛ لذا لا عجب أن يكون الأوّل أقربُ لقلبي من الثاني..
🔅أعرفُ أنّي بخير حين يغمرُني الرِّضا والإمتنانِ، وأُومن بالقَدر، وأحتَرمُ إرادة اللّٰهِ بِما أودعَ بِداخلي من حُريَّة..
حين يكون قَلبي في يَدي كَمَسْبحتي، إذا ما غفىٰ يَذكرُ اللّٰه لينبُضَ في شَراييني الحُبَّ اللامُتعلّق بسماءٍ أو أرْض، اللامُتعقّل بمنطقِ وفَلسفاتِ البَشر؛ قد أعشقُ لكن لا أتعلّق، قد أذوب لكن لا أتبخّر علىٰ مائدةِ قَصيدة؛ وحدهُ النُّور الَّذي يَغويني لأفنىٰ، وأحرق أجنحتي كاملةً في دفء وهْجِه..
🔅أعرفُ أنِّي بِخير حينَ تَرْتَدي جُمْجُمتي سَاعة النَّوم غِطاء الوِسَادة الأبيض ككفنٍ زاهدٍ تَهْدَأُ وَطأةُ الأحلامِ، وتبدأُ رحلةَ الإحْرام تطوفُ علىٰ وجوهِ الخَلقِ من عَرفَتْهُمْ، وَمَنْ لم تَعرِفُهُمْ تَهدي لهمْ سَلامًا ومَحبةً ورسالةَ عُذْرٍ لما بَدَرَ مِنْها قَصْدًا أو سَهوًا تعرفُ أنَّ الحَياةَ وَمْضةٌ أقصرُ منْ عِناقِ الجِفْنِ للعَيْنِ..
الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم.
القاهرة ٢٠/ ١١/ ٢٠١٩.
Post A Comment: