النصر المبين | بقلم الكاتبة المغربية ليلى الخمليشي


النصر المبين | بقلم الكاتبة المغربية ليلى الخمليشي



 (عندما تزأر الأسود تختفي الشياطين) 

.. لا غرابة في أن ترى القواعد تَتَدَغدغ وتُقلب رأسا على عقب! لا غرابة في أن تتعود على قوانين وتأتي رجالا يحملون أَلوية على كل ضامر وتزلزلها! هكذا كانت الأجواء يا أمي وأنا أتابع مباراة مغربنا الحبيب ونظيره بلجيكا هذا الأخير الذي يصنف الثاني عالميا المعروف بحنكته ودقته في الأداء لم تكن مباراة عادية بل أشواطا حامية الوطيس، لك أن تتخيلي الجماهير الغفيرة تصفيراتها تمخر عباب الملاعب أصواتها تتزلزل لها الأركان حينما أعلن الحَكم  بصافرته عن بداية مقابلة  نحو محاولات محفوفة بالمخاطر، اللاّعبين تتمزق حناجرهم من كثرة الدعاء، كأنني يا أمي أمام سيناريو محبوك داخل فيلم سينيمائي اقشعرت منه أبدان الحضور. أمي المدَرّب يصول بين خطوط الملعب يراقب ويدقق في الأخطاء يصَوّبها بفنية وذكاء كما علّمته الأجداد المعهودة، الأداء فاق توقعات الشعب المغربي؛ المقاهي مكتظة، أصوات متجانسة لا تفرقين بين كلمة وأخرى! حينها أمي ما عادت شوارع المدن يكسوها الرائح والعائد أصبحت عارية يتخللها صمت عميق لا تسمعين إلا خشخشات القطط خلف المباني والقمامات وأصوات طيور تزحف لتتلقّف نحو فمها ما تركته المطاعم الفاخرة من فتات! مدن تمضغ الفراغ.. حدث عظيم يقتحم البيوت، الدقائق تمتعض والدماء تتدفق، العيون اعتقلتها التلفاز المغاربة تنتظر هدفا استثنائي يغير نواميس المخططات؛ الحناجر متمسكة بحبل الدعاء والأجساد ملتحفة بالعَلَم المغربي الذي تتوسطه الخماسية الخضراء الكرة تخطفها أقدام المغاربة تتغير بين الفينة والأخرى لتصبح بين يدي الصابري لتنتفض الطاولات من جديد ويسدد الهدف فتتعالى الأصوات لتَطمس الهدوء وتفضح النصر الأول وها لهدف يُزَف لأبناء المغاربة على طبق من ذهب! 




من عاداتنا يا أمي الكبرياء والفحولة لا نقنع بالقليل سواء في لقمة عيش أو في طلب العلم وحتى ضد الخصم دائما ما نفتش عن الأحسن والمزيد من التفوق نحن من قال فينا الحجاج - لا يغرنك صبرهم - نحن يا أمي كبُرنا أحرارا متى استعبدتنا الأمم! فالهدف الأول لم يروِ دماء الوطن ولم تخضَرّ له الأرض! اللاّعبون الأسود خاضوا مرحلة أخرى في هذه الدقائق الأخيرة واستنشقوا نفَسا شجيا ورددوا بين أنفسهم العزيمة لتشتد الهمة ليزيلوا الكرة من فم البلجكيون و تصبح بين أيدي كل من زياش من زياش تتحول مباشرة إلى بوخلال وأرواح المغاربة تزداد وتهتف بإسم - الله- وها هوَ يسدد الصنديد الهدف الثاني في الدقيقة الوجيزة ويُبكي المغاربة ويُسقطهم ساجدين راكعين فحُشِر المصورون حولهم يسترقون السمع و النظر والصور.. وزمت الصحائف والجرائد آلاف المقالات والأخبار، ونقلت القنوات أخبار جمة فيما تشاركت مواقع اجتماعية أخرى عددا من الصور التي  تنبجس منها الدموع!



أمي لم أعرف أنا الأخرى كيف مسكت قلمي هذا، وكيف بدأت تتَنقَّل الأحداث بين سطور ورَقتي كل ما أعرفه هو نبض وطني الذي يجري في قلبي مجرى الدم! سجَّل التاريخ يا أمي أقوى معركة دارت بين العرب والغرب وكان الانتصار للعرب أمي صدقيني تلفح عيوننا الآن من حر مَوّال هذه الأحداث، لم أستنطق أحدا بل قررت استنطاق ورقتي فقط، بثوا في قلوبنا الأمل والفرح والحبور بنوا لنا سنديانا من الوقائع. 



ها نحن نستودعهم الله كما استودعوننا وهم مدججين بروح القتال.

 أمي لم أقرر الكتابة لك لكن أرغمونني  أسود الأطلس .



 ليلى الخمليشي

المغرب

Share To: