ورقة ادبية حول ديوان الشاعرة سعاد أكريم | بقلم الناقد الشاعر علال الجعدوني
✓ مدخل :
المتتبع للشعر عند الشعراء قديما يتبين له أن الشعر لم يكن مرتبطا بمتابعة الدراسات بالجامعات أو دار العلوم أو آداب اللغة بل هو بكل بساطة موهبة ، هكذا نشأ الشعر انطلاقا من البيئة التي يعيش فيها الشاعر المبدع ، فالشعر كان يعتبر بمثابة وسيلة من وسائل التعبير في الحياة ، و الشعراء القدامى كانوا بمثابة سفراء و الناطقين باسم القبيلة ،لهذا كان لسانهم أبلغ وفصيح قادرين على الترافع بالفطرة ،ولهذا نجد أن الشعر غالبا ما يكون موهبة وهذا ما قاله الشاعر الكبير ( خلف بن هذال ) حيث قال ذات مرة : (وهبني الله الشعر وأبي وجدي ليسوا شعراء )
فالشعر يوجد مع الإنسان منذ نشأته ، فهو إحساس جميل عاطفي يأتي على شكل كلمات منسقة صادقة تنبع من الأعماق
والشعر قد يكون موهبة واكتساب معا ، فالموهبة تظهر على الشخص منذ الصغر . وفي زماننا لابد أن يصقل الموهبة الاكتساب فينميها وذاك من خلال القراءة والممارسة والتدرب على تطويع الكلمة الشعرية الشاعرية .
ومن بين الشاعرات الموهوبات ؛ الشاعرة سعاد أكريم التي برغم أنها ليست متخصصة في الأدب إلا أنها اعتنقت الشعر وكتبت قصائد ممتعة وراقية .
✓ التعريف بالشاعرة :
سعاد أكريم هي ابنة أكادير الأصل والنشأة ، التحقت بالمدرسة العمومية وانهت دراستها العليا لتعين كموظفة بالمعهد العالي للصيد البحري بالكتابة العامة .
كما أقدمت على المغادرة الطوعية بعد إحدى عشر سنة من العمل لتتفرغ لتربية أبنائها . ومن تم ستنطلق البصمة الشعرية عندها ، محاولة مناقشة علاقة الرجل بالمرأة .
شاركت في عدة لقاءات أدبية محلية على صعيد جهة سوس/ماسة ، وكذا بمنتديات متنوعة ومعارض وطنية .
هي عضوة بمكتب رابطة كاتبات المغرب في أكادير المدينة.
عضوة في نخبة مركزة المرأة لجمعية صناع الحياة بأكادير .
شاعرة نشطة مع جمعيات المجتمع المدني تهم قضايا المرأة والأسرة .
مهتمة بالشأن الثقافي بكل أصنافه .
كما صدر لها ديوان شعري تحت عنوان : ( امرأة مكتفية ) من المطبعة SO-ME PRINT Agadir طبعة سنة 2022 عدد نصوصه 18 وعدد صفحاته 125 .
ولها ديوان جديد تحت الطبع . ( لست ملاكا) .
✓دلالة عنوان الديوان : امرأة مكتفية .
عنوان جذاب ، يشد القارىء ليسقطه في حبائل التشويق ، بل هو عنوان عميق الإيحاء ،خاصة عندما تكون الأنثى هي المتصدرة ومفتاح للديوان .
يقول : الدكتور عصام شرتح (دراسة جمالة في البنية والدلالة) ص:78 ط2
(تكمن جمالية العنوان في مساحة الدلالية التي يشغلها والإشعاعات الدالية التي يبثها لإضاءة ما يختزنه المتن من منظورات ورؤى ) .
وبالرجوع إلى تحليل كلمة مكتفية يمكن أن نقرأ ما جاء في معجم المعاني الجامع ما يلي :
اكتفى ( فعل).
اكتفى ، يكتفي ، اكتف ،اكتفاء ،فهو مكتف .
والمفعول مكتف به .
اكتفى بالشيء استغنى به وقنع .
اكتف. بالأمر اضطلع به .
مكتف ذاتيا : غير معتمد على الآخرين .
وخلاصة القول يمكن القول على أن العنوان قد يرمز على أن ( امرأة غير معتمدة على الآخرين / مقتنعة .
✓ دلالة الغلاف :
بالرجوع إلى غلاف الديوان يمكن القول على أنه أنيق دال محفز على القراءة ، يخطف الأبصار من النظرة الأولى بما يعج من صور انتقيت بعناية فائقة ومركزة ، و زينت بألوان جميلة متناغمة فيما بينها وبالأخص عندما تم وضع طيف امرأة ملفوفة بورود ملونة وفرشات مزركشة تحلق على ظهرها . فالألوان تشي بما يخالج الكيان والأعماق . يمكن القول ,كما جاء في كتاب الصورة الشعرية واستيحاء الألوان لنوفل يوسف ط:1985 ص :40 مايلي :
( فاللون لا يدخل في نسيج النص الشعري على مستوى التركيب فقط وإنما يتعدى ذلك الى مستوى الدلالة أيضا ) .
لقد حاولت الشاعرة بهذه اللوحة الجمالية أن تسافر بالمتلقي إلى أبعد تخوم الوجدان ، محاولة إقناعه برؤى شعرية عميقة مكثفة عن الذات والكون .
✓ الصورة الشعرية :
انطلاقا مما جاء على لسان أدونيس :
( ومن حيث الصورة ،نشير إلى أنها توسع المسافة بين الدال والمدلول ، أي أن بين الكلمة والمعنى ، فهي تخلق عالما خياليا إيحاييا ،والقيمة الجمالية للقصيدة تكمن في طاقتها على الإيحاء ، الأحلام التي تثيرها المشاعر التي توحي بها الأفكار التي تكشف عنها الأسئلة التي تولدها )
من كتاب الثابت و المتحول / صدمة الحداثة الصادر عن دار العودة بيروت ط4 سنة 1984 .
لا غرو أن اللغة الشعرية ديدن الإبداع ،فهي قلب القصيدة تخلق الإيثار باردية الخيال الجموح . هكذا تقرأ الشاعرة صور مزدانة بجمالية فكرية وشاعرية راقية ،فغالبا ما تكون للصورة إيحاءات باذخة متشبعة بالرقم تجوب عباب المتعة الجمالية ،تحاول الحرص على بناء علاقة منسجمة مع الذات الشاعرة وما يحيط بها .
✓ لغة الديوان :
عندما تقرأ في ديوان الشاعرة يتبين لك أنها نحتت نصوصا تسكب الدهشة والامتاع ،مترجمة رؤاها بحروف مخملية رشيقة الظل ، ساحرة الجرس ،قوية الأبعاد نابضة بالرومانسية ،تتدفق صدقا وتخلف اللذة الجمالية .
كل من يقرأ ديوان الشاعرة بتأن يسقط في حبائل الإعجاب .فالديوان يؤجج الإحساس بروعة ،وهذا يمتد لتجربتها الشعرية وللموهبة التي ملكتها وهي ترتشف من عمق الشعر الأنيق متحلية بترنيمة تلوح الإبداعية منغمسة في عوالم حالمة جوانية مطيتها المتخيل .
نعم الشعر تعبير ينبع من الأعماق ،سحر متدفق في كؤوس وجدانية صادقة كما هو خلوة مع الذات وسحن روحي .
إنه مغامرة لغوية على حد تعبير الدكتور عصام شرتح .
كلمات تخاطب كل قارىء حسب كل وضعية وضعية لتغريه بخيارات التأويل .
✓الخاتمة :
حتما ، للأدب صلة وثيقة بالحياة ... وكل كلمة يكتبها أو يبوح بها الشاعر أو الشاعرة لا تعبر عن شاعرية الروح وعن صدق الأعماق لا يمكن اعتباره شعرا .
✓ الناقد الشاعر علال الجعدوني .
Post A Comment: