كيف نشفى من البين يا عمتي؟ | بقلم الكاتب الصحافي التونسي صهيب المزريقي


كيف نشفى من البين يا عمتي؟ | بقلم الكاتب الصحافي التونسي صهيب المزريقي



 عمتي حين أذكرها لا أذكر مجرد عمة عاشت حقبة زمنية و رحلت ترجمت فيها مقولة درويش تنسى كأنك لم تكن و ٱنما كيان ملئ حب وحنان ترجمته في شكل  عطف و بذل و كرم ،كانت عمتي ذات الابتسامة الدائمة في وجه كل من تقابل و الخالدة في ذهني و تصوري خلود صوتها وهي تقول لي دائما خوفا علي " احكم لسانك وكفاك جرأة و مهاجمة للتيار الاسلامي الذي كنت ولا زلت أعاديه "" عمتي التي لازلت أرى كل أفعال الخير متجلية فيها ، عمتي التي لم تذهب روحها كما يقول رجال الدين للبرزخ و انما تجلت و في القمر جمالا  و تماهمت مع البدر ضياء و سطعت في نجوم السماء في ليلة مقمرة ، عمتي لم تمت بل إتخذت من جسدي و بدن إبنتها ملاذا لها تسكن عندي حينا و تسكن عندها  حينا آخر ، أتذكر أني كنت حاضرا يوم شراء الكفن و تسجيل الوفاة و استخراج تصريح الدفن و أنا لازلت تحت هول قارعتها سألتني الموظفة في الحالة المدنية عن اسم المتوفية فقلت :" تونس مزريقي:" ثم شخص بصري الى ركن القاعة العلوي و دخلت مرحلة اللاوعي بحيث أستحضر الماضي الجميل كم ضحكنا فيه و تسامرنا لطالما كنت سرها و نجواها ، أتذكر جيدا أنها تعرفني أحب " طاجين " وهو أكلة تونسية معروفة  فتهاتفني يوما بعد يوم قائلة " لقد جهزت لك ما تستلذه من أكل و أنا أنتظرك ، حتى وهي مريضة كانت تطلب من هو  عندها في البيت لتحضر لي أكلتي المفضلة ، أخذني الحنين ليوم قالت لي فيه أنت لست ابن  اخي أنت ولدي الذي ليس من صلبي ، أتذكر جيدا لما قالت لي "سمحني على كل شيئ  " و استسلمت لبكاء غزير ، و في خضم تلك الذكريات و الإستطرادات نسيت أنني بقسم الحالة المدنية و تساءلت في ذهني هل حقا ماتت عمتي ؟ هل حقا تركت عالمنا حقا !! ما أفظعها من حتمية لعينة و مقيتة و عند عودتي بالتصريح وجدت مرتزقة الموت جاؤوا حاملين لصندق رفعها للمقبرة وهم يتمتمون بتعاويذ دينية للذكر و جاء معهم من يتصورون أن الله لم يهدي احدا سواهم لمنهجه السليم صارخين في وجوه ابناءها و بناتها و عائلتها : لا تبكون فإنها تتعذب " فقلت في نفسي ما أغبى هذه الطائفة و دينها المتخلف ألم يقرؤوا ""ولا تزر وازرة وزر أخرى "" إن الرب لم يكن ظالما ليعذب عمتي البريئة ذات الوجه الجميل و الابتسامة الرائعة على عمل لم تقم به ، ولما أتممنا الدفن عدت للبيت و تأملت في كل أركان البيت فوجدتها جالسة كعادتها  في كل جزء فيه ثم إلتفت لسريرها الذي دائما ما تنام عليه و كرسيها الأخضر و إنهمرت بالبكاء و قلت " الموت حتمية و حق " دعوت لها الرب لأنه رحيم و سألته أن يجمعنا قريبا عنده في السماء  كون الروح مآلها الخلود الكوني الأبدي و التماهي

Share To: