الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



مِنْ عَلَامَاتِ سَعَادَةِ الْعَبْدِ، وَدَلَائِلِ فَلَاحِهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ اللهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِعَمَلٍ رَشِيدٍ، وَطَرِيقٍ سَدِيدٍ، فَيُدْرِكَهُ الْأَجَلُ عَلَى طَاعَةٍ وَقُرْبَةٍ، وَتَأْتِيَهُ الْمَنِيَّةُ بَعْدَ تَوْبَةٍ وَأَوْبَةٍ .


عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ


قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ 


قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ


الْمَوْتُ غَائِبٌ مُنْتَظَرٌ، وَهَوْلٌ مُرْتَقَبٌ، وَكَرْبٌ وَاقِعٌ .


فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ


سورة الواقعة


وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تَقُولُ:


 إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: 


لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: 


فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى


حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. 


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ


وَلَمَّا كَانَتِ الْخَاتِمَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَحُسْنُهَا بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ شُرِعَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ خَاتِمَةِ السَّعَادَةِ، وَأَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ أَسْبَابِ خَاتِمَةِ الشَّقَاوَةِ.


فَمِنْ أَسْبَابِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ: 


تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَتَوْحِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ وَالْبُعْدُ عَنِ الزَّلَلِ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى دِينِهِ إِلَى بُلُوغِ الْأَجَلِ .


قَالَ تَعَالَى: 


إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ


سورة فصلت


وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ .


رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ


وَمِنْ أَسْبَابِ الْخَاتِمَةِ الْحَسَنَةِ: 


الِاهْتِمَامُ بِصَلَاحِ الْقَلْبِ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَالْقَلْبُ مَلِكُ الْجَوَارِحِ وَسَيِّدُهَا، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الرَّبِّ


عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: 


سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: 


أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ .


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


وَمَنْ أَرَادَ بُلُوغَ خَاتِمَةِ السَّعَادَةِ: 


فَلْيُغَلِّبِ الرَّجَاءَ بِرَبِّهِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ، وَلْيُحْسِنِ الظَّنَّ بِهِ؛ فَقَدْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ


 عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: 


كَيْفَ تَجِدُكَ؟


قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي


فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ .


رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ


 وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: 


سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: 


لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ .


رَوَاهُ مُسْلِمٌ


وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ: 


دُعَاءُ اللهِ تَعَالَى بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَسُؤَالُهُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَإِتْمَامَ النِّعْمَةِ


عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:


 كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: 


يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ .


قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟


 قَالَ : فَقَالَ: 


نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ


وَأَمَّا سُوءُ الْخَاتِمَةِ: 


فَهِيَ أَنْ يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ فِي حَالِ غَفْلَتِكَ، وَبُعْدِكَ عَنِ اللهِ؛ فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ سُوءِ الْخَاتِمَةِ:


 أَنْ يُصِرَّ الْعَبْدُ عَلَى الْمَعَاصِي وَيَأْلَفَهَا؛ فَإِنَّ مَنْ أَلِفَ شَيْئًا مَاتَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ؛ فَالذُّنُوبُ تَخْذُلُ صَاحِبَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ .


 

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: 


حَضَرْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَوْتِ يُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .

فَقَالَ آخِرَ مَا قَالَ: هُوَ كَافِرٌ بِمَا تَقُولُ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ مُدْمِنُ خَمْرٍ .


وَكَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَقُولُ: 


اتَّقُوا الذُّنُوبَ؛ فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتْهُ .


وَمِنْ أَسْبَابِ سُوءِ الْخَاتِمَةِ: 


ذُنُوبُ الْخَلَوَاتِ .


عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 


إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


إِنَّ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ عَلَامَاتٍ وَأَمَارَاتٍ وَاضِحَاتٍ فَأَيُّمَا امْرِئٍ مَاتَ بِإِحْدَاهَا كَانَتْ بِشَارَةً لَهُ، وَيَا لَهَا مِنْ بِشَارَةٍ .


فَمِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ: 


نُطْقُهُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ .


عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ 


وَمِنْهَا: 


الْمَوْتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ .


عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 


إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ


وَمِنْهَا: 


الْمَوْتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ نَهَارَهَا .


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ 


وَمِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ: 


الْمَوْتُ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ .


عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:


 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا: دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا: دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا: دَخَلَ الْجَنَّةَ .


رَوَاهُ أَحْمَدُ 


فَاطْلُبُوا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَالْبُعْدِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِهِ، فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ غَايَةٍ، وَمَا أَجَلَّهَا مِنْ مَطْلَبٍ .




Share To: