حتى لا تعود وأنت كالزبدة المذابة | بقلم الأديبة المغربية فوزية مسجيد


حتى لا تعود وأنت كالزبدة المذابة | بقلم الأديبة المغربية فوزية مسجيد



الدكان أو الحانوت بالنسبة للقرى...لم يكن بتلك النافذة المفتوحة من الصباح إلى مابعد المساء...من أجل بيع وشراء المواد الغذائية فقط...بل كان مذياعه كفيل بجعل صباحك عليلا وأنت تمر أمامه و صوت برنامج رشيد الصباحي الرخيم يشعرك أن الحياة محاطة بكل الجمال... والأغاني الصباحية الباذخة المحلية و القادمة من الشرق....من خلال الحانوت كان يزف للقرى دنو مواعيد الأعياد...و من خلال مذياعه تتراقص قلوبنا عند مشارف قدوم رمضان.... الحانوت كان مجلسا للصلح وتبديد الخصومات الطفيفة ..و موجه الدرك الملكي ومخبر الشيخ والمقدم كلما شاب القرية شائبة..و أخد الشورى والاستشارة والحكمة من أفواه أهلها الطيبين... الحانوت كان صندوق رسائل القرية عند نافذته تذرف دموع الفرح والحزن. لما تسلم الترقية أو التعيين و تباشير النجاح و الرسائل المالحة القادمة من بعيد من الجنود لأهلهم و رجال التعليم وغيرهم ... وساطته بتسليم الفرح بل و تنعيم الأخبار الحزينة... كان مقصد التقصي عن بياض سيرة بنات القرى قبل طرق باب البيوت المحافظة بغاية الزواج.... بل كان بنك الطوارئ  و ممون البيوت البسيطة و المحافظ على ماء وجهها  لما  يسلم أهلها حاجتهم إلى أجل غير مسمى.... الحانوت  هو ذاكرة الديون و مستخلصها بطريقته الخاصة وهو الإمساك عن تمكين الزبون غير الملتزم ببروتوكوله..بل كان مقهى شباب القرى وناديهم وملتقاهم وضالتهم بعد جلسات التبن المسائية و ثعب اليوم بعد العمل...هو مصدر الأخبار ما ظهر منها وما بطن...و صندوق المساهمات بالنوائب والأفراح....الحانوت هو ذاكرتنا التي نفتخر أننا وقفنا بمدخله لنشتري طعم طفولتنا و أبعد..لكنه شديد الحزم..ثاقب الإنتقام عندما تتجاوزه نحو الدكان المجاور أو الأبعد...بمجرد وقوفك أمامه يرمقك بنظرة تجعلك تفهم وتجيب عما يرمي إيصاله لك...أنك وافد غير مرحب بك...تنتقص بك شيم الوفاء لدكانه...عابر ، مراوغ، لا تلجأ له إلا على وجه الاستعجال أو الاستثناء ...يتثاقل بكل خطوة نحو مناولتك ما تريد ...هذا إن لم يطردك بمنتهى الثقة...يزيحك جانبا...حتى يقدم للزبناء الأوفياء قبلك رغم تقدمك زمنيا بالحضور...لكن تستحق أن تنتظر...يكيل ماتطلب الزبدة بأبشع ورقة ملقاة بمكان مظلم تحث...أو كيس بلاستيكي بالغ الاهمال...توشك تلك القطعة البروتينة على الذوبان بين كفوفه القاسية من قساوة ما ارتكبته بحق دكانه لما تجاوزته بقصد أو بدونه لا  يهم ... على مضض يتواصل مع أطراف أصابعك بشكل يشبه رمي ذلك الجسم المكوم بمهانة لك... تتسلمه وتغادر سريعا وأنت من فرط المهانة تطلب أن تذوب قبل أن يمطرك بعبارات الطرد الصريحة... تغادر بما تبقى لك من بصيص الإعتبار ...فتعقد معاهدة مع ضميرك أن تتسلح بالوفاء لدكانه بالقادم من الأيام..أو تواري ما اشتريته من الدكان المجاور...حثى لا تعود وأنت كالزبدة المذابة..🍭🍬🍫🥧🧃🥫.



Share To: