منصور الهبر.. الجمال بمعايير واقعية | بقلم الكاتب الصحافي الأردني الفلسطيني خالد جهاد
هل سبق لك أن فتحت علبة هدايا فاخرة بلهفة لتفاجأ بأنها خاليةٌ تماماً ؟، هل سبق لك شراء كتابٍ فرت منه الأحرف والسطور والنقاط والفواصل إلى فضاءات الفراغ والدهشة؟ وهل سبق لك اقتناء لوحةٍ تساقطت منها الوجوه والأماكن وتركت الألوان وحيدةً تبادلك النظرات في ليلة شتاءٍ طويلة ؟
بالتأكيد.. لكنك على الأغلب لم تخبر أحداً بذلك مع أن الحكايات وجدت لتحكى تماماً كالمشاعر التي ولدت لتعاش.. لا لتكون معلقةً كزهرةٍ على الحائط بلا عطرٍ أو جذور، أو لتموت في قرب الحبيب بصمتٍ كفراشةٍ أحرقها النور، لكنها الحياة التي قد تعرض لنا مشهداً منفرداً وتتركه لآلاف الرؤى والتأويلات أو قد تهدينا طيفاً واسعاً من الصور مقابل رؤيةٍ واحدةٍ لها تضيق بها مخيلتنا وصدورنا، وبين هذا وذاك تنساب الألوان بحميميةٍ على أوراقنا وأوتارنا المبعثرة لتعزف مقطوعتها الخاصة.. تلك التي تتمرد على عبثية الكثير من النظريات لأنها ببساطةٍ لا تشبهها ولا تلامسها، فتعلن عن وجودها بأسلوبٍ حر خارج التصنيفات والتعريفات.. لا يعنيها أن تكون محور اهتمام أحدهم أو أن يتم وضعها ضمن إطارٍ يسجنها ويحد من قدرتها على التحليق ضمن أسراب لوحات الفنان اللبناني منصور الهبر..
والتي يميزها بأنها تحمل زمنها الخاص بعيداً عن التوقيت الحالي لأيٍ من مدننا التي اضطربت فيها الساعات، فيخيل لمن يناظرها أحياناً بأنها جزءٌ من منشورٍ قديم يعود إلى حقبة السبعينيات أو تبدو كصورةٍ عائلية معلقة على جدران أحد البيوت أو تشبه رسوم العابرين في الطرقات والشوارع.. رموزهم التي تختزل ما تفيض به قلوبهم وأرواحهم من غضبٍ ويأسٍ ونقمةٍ وسخريةٍ وتناقض وأحلام متآكلة تلخص المزاج الحالي المتقلب والمنفلت من عقاله، والذي يتقاسمه الجميع بالتساوي على غير العادة، حيث لكلٍ متاهته وألوانه ولغته ورؤيته التي تمثل إرثه الذي تركه له أسلافه، ويقفز فجأةً دون سابق إنذار كأرنبٍ يختبأ داخل قبعة الساحر في إحدى عروض (خفة اليد) التقليدية، والتي قد تثير الكثير من الأسئلة الهامة لكنها أيضاً ستشغلنا وتشتت أنظارنا بعيداً عن الفكرة الرئيسية..
"الجمال السلبي" هو عنوان معرضٍ جديد منفرد للفنان منصور الهبر يقدم فيه أعماله الفنية التي تواكب المستجدات والتطورات التي عاشها ويعيشها المجتمع اللبناني محاولاً أن يجعل من الفن انعكاساً لهذا الواقع الذي يخلق منه جمالاً بمفهومٍ يختلف عن المفهوم التقليدي الذي حكم عملية صناعة الفن وتلقيه وتذوقه والتعاطي معه، وربما جعله بمثابة علاج من خلال الصدمة أو المواجهة مع الحقيقة أو فرصة لتسليط الضوء على الأزمات التي يعيشها لبنان واللبنانيون في هذه المرحلة والتي لا تخلو من جمال رغم سوداوية المشهد وقتامته وانعكاساته على مختلف المستويات وجميع فئات الشعب، وكأن لبنان تحول إلى (بلاد العجائب) التي يعيش فيها الناس واقعاً أقرب إلى السوريالية وأشبه بمن يضحك أو يرقص حتى الموت رغم غياب الموسيقى وأسباب الضحك ضمن مجموعةٍ من الفصول المتناثرة لمسرحيةٍ تقدم عروضها في الهواء الطلق وكل معلومةٍ فيها تناقض الأخرى بتناغمٍ فريد لا نشاز فيه حيث يشار إلى الكوارث بقانون الجمال السلبي..
وهي تجربة ٌ غنية تستحق المشاهدة والمتابعة وستقام مساء الخميس ٢٣ شباط/فبراير المقبل بين السادسة والثامنة مساءاً بتوقيت بيروت ضمن (معرض الفن المعاصر- Art on the 56th) شارع يوسف حايك- الجميزة.. بيروت.. تساهم في عودة الوجه الجميل للبنان وبيروت، لبنان الثقافة والفن والجمال والحضارة ودرة من درر الشرق العظيم..
منصور الهبر |
خالد جهاد |
Post A Comment: