مواجهة | بقلم الكاتبة المصرية أميرة محمد 


مواجهة | بقلم الكاتبة المصرية أميرة محمد


اليوم كعادة أيامي جميعا و أهم ما يميز هذه الأيام الركض حتي تتقطع أنفاسى لإنجاز أعمالي اليومية، فأتناول فطوري بأقصى سرعة حتى أذهب إلى عملي الذي كان حلمي في يوم من الأيام و لكنه الآن لا يمثل لي غير عناء متواصل و غطرسة مديرين و خيانة من  أصدقاء العمل فقد جعلوا حلمي أسوأ كابوس الآن.

فمن كثرة أعمالي نسيت إنه كان من أهم أحلامي و تذكرت وقتها قصة السمكة التي عاشت عمرها تتمني أن تذهب إلى لمحيط و آخر القصه تكتشف أنها بالفعل تعيش فيه وهي لاتدري ،"في النهاية كله مجرد ماء لا أكثر  ".

عدت من عملي وأنا في قمه إرهاقي و جوعي و كالعادة  سآكل طعام سريع و سأصبّر نفسي بالجملة المعتادة لي  " سأبدأ من الغد  تناول الطعام  الصحي  و توفير بعض الوقت للعب الرياضة "

و جلست أتناول طعامي أمام التلفاز المضئ للترفيه عن روحي  ولكن دون أن أعى ما يدور بداخله من كثرة إرهاقي فكأنني أشعلته لأشعر بالونس فقط ،حتي نمت على مقعدي  والطعام مازال بفمي. 

 إستيقظت فجأة علي صوت غريب أخافني لوهله فتسللت بهدوء لرؤية ما هذا الصوت !!

إذا بإمرأه تشبهني تماما !!و لكن تبدو وكأنها تعيش في حقبة ماضية، يتضح ذلك من موديل فستانها الأنيق و قصة شعرها و كانت تطهو الطعام وهي في قمة أناقتها ،فوجهت لها سؤال مفاجئ وهي التى لا تشعر بوجودي

"من أنتِ؟"

إستدارت فجأة و هي مذعورة و قالت " بل من انتِ؟"

أوضع أحدفي هذا المكان مرآة ؟!!

فنظرت لها وكانت الدهشه تعلو وجهي " نعم، نحن نشبه بعضنا تماما ولكن و كأننا من عصرين مختلفين "

فقالت "نعم لاحظت ذلك، أنا سناء أعيش الآن في سنة ١٩٦٦ و من أنتِ؟

فقلت لها "أنا فريدة و أنا الأن في بداية سنة ٢٠٢٣ التي لم يمضي منها إلا القليل" 

فنظرت لي ببعض من الإستهجان و قالت " لماذا تلبيسين هكذا أكنتِ تقومين بإصلاح سباكة المنزل؟"

فغلب الإحمرار علي وجهي من الخجل و قلت لها " إنها ملابس المنزل المريحة لي " و أكملت الإجابة عن سؤالها في سري بأن هذا الثياب المنزلية لا تختلف كثيرا عن ملابسي الرياضية السريعة التي أرتديها أثناء ذهابي للنادي و المولات" 

فرفعت حاجبها و قالت" و من يلبس الفساتين الآن  هل هم الرجال؟" 

 فجاوبتها وأنا أضحك علي قولها " لا طبعا نحن جميعا نلبس نفس الملابس تقريبا لدرجة أن أخي كان يغلق دولابه بالمفتاح حتي لا أسرق ملابسه وهو خارج المنزل "

و قمت أيضا بالإستهزاء منها كما فعلت و قلت لها " إن ملابسكم غير عملية تماما، كيف تتحركون بها وأنتم تعملون ؟"

ففتحت فمها و ملأت نظرة الإستفهام  وجهها ورفعت حاجبها وقالت 

"عمل !! أي عمل ؟!

 هل تقصدين أعمال المنزل ام العمل خارج المنزل بأجر مثل ما يفعل الرجال لتوفير متطلبات بيتهم.  

قلت لها  و الفخر يعلو وجهي "لا الحمد لله لقد أخذت المرأة الآن حقها في العمل "

فقاطعتني و الرجل جلس بالمنزل !!

فقلت" لا نحن نعمل معا من أجل مستقبل أفضل "

فسألت في دهشه " مستقبل !! 

من يعتني بالأطفال إذاً فهم المستقبل ؟"

فقلت لها " لا تقلقي   فالآن يوجد لدينا حضانات و مربيات للإعتناء بالأطفال ولو الحاله غير ميسورة نتركهم للأجداد فأنهم يفرحوا بهم كثيرا"

و أكملت حديثها و سألت" وماذا عن الأزواج في عصركم؟

 هل لديكم من الوقت لتقضوه معا و تشربون فيه شاي العصاري و بجانبه  قطعه من الكيك التي تفوح رائحتها داخل المنزل ليزيده دفء و حب .

فقلت لها بلا مبالاه "ما هذه الرومانسيه التي تعدت الحدود "

المتزوجين في عصرنا لهم حالات متشابهه جميعهم لا يتقابلوا خلال اليوم إلا صدف بين ذهاب الأم للعمل ثم مع أبنائها للتمارين  والأب في إجتماعات العمل التي لا تنتهى .

 و لو  إجتمعوا لبعض الوقت يجلسوا في صمت تام و هم يتصفحوا هواتفهم الذكية و هي مثل ما أحملها في يدي الآن.

فجلست و كأنها سيغشي عليها و قالت لي "وهل أنتِ سعيدة؟"

كان سؤالها كأنه سهم يخترق قلبي لأني لم أسأله لنفسي من قبل  

فأجبتها بحزن واضح في نبرة صوتي "فعلا أنا لست سعيدة تماما و لكن لا أعرف سبب تعاستي برغم أنني حققت كل ما أحلم به ،و لكن هذا الحوار جعلني أفكر فى الذهاب للطبيب النفسي لعله يجد معي سعادتي المفقودة بمجموعة من الأدوية كما يفعل معظم أصدقائي الذين أصابهم الإحباط و فقد الشغف والذين مرضوا بالإكتئاب من كثرة الأعباء التي يحملونها علي عاتقهم ".

فقالت أنا على العكس أشعر بالسعادة والرضا و الونس بدون الإستعانة بأقراص دواء  لأن كل إنسان في عصرنا يعيش الدور الذي خلقه الله له.

أنا لست ضد عمل المرأة و لكن أنا ضد أن تترك المرأة عملها الأساسي و تنسي أنوثتها تماما و تركض من عمل و تمارين و بيت و تنسى نفسها داخل دائره ليس لها نهاية و تستمر في الدوران بها حتي تسترجع عقلها وتعترف أن في عصركم حملوا المرأة كل المسؤوليات و جملوا لها هذه المهام الجسيمه بكلمة أن المرأة الآن تأخذ حقوقها. 

ليست من  حُقوقها أن تصبح هي  الرجل و المرأة في نفس الوقت 

بل بالعكس من الواضح من كلامك أنكم تفتخروا بذلك أيضا

أنتم نصف المجتمع وليس كله فمهامكم هي نصف مهام أيضا 

تلبسون و كأنكم رجال و تعملون و كأنكم رجال، العالم لاينقصه الرجال بل إن العالم لن يكتمل إلا بأنثى حقيقية لأن الرجل وحده لا يستطيع بناء مستقبل .

فسقط علي مقعد كان  بجانبي و وضعت رأسي بين يداي و بكيت لأني شعرت أن كلامها آلمنى،  وعندما رفعت رأسي وجدت كل ما فات كان حلم .

وتمنيت أن تكون حياتي أيضا حلم حتي أستيقظ منه  لعلي أجد الطمأنينة و السعادة و أنجز مهامي و أحقق أهدافي ولكن وأنا في روية من أمري و دون الركض وكأنني أهرب من وحش يريد أن يلتهمني .




Share To: