المثليون وثقافة الإنسان العربي وكرة القدم | بقلم الكاتب والباحث الجزائري محمد بصري 


المثليون وثقافة الإنسان العربي وكرة القدم | بقلم الكاتب والباحث الجزائري محمد بصري


قد لا تكون مفاجأة للبعض حين تطرح المثلية كشكل جديد من الجندرية التي قصمت ظهر المثقفين والحقوقيين والبيولوجيين والفلاسفة  أيضا. قد تكون صدمة حضارية انتابتنا في عرين ثقافتنا ، أصابت الحضارة  الكونية في مقتل.حين يصبح الإنسان المكرم لاهوتيا وميتافيزيقا مسْتنزفًا أخلاقيا يعاني عوارا وفراغا رهيبا في ضميره القيمي.تصبح المثلية مع مفردات جديدة هي الإبنة الضآلة لما بعد الحداثة السائلة هوس وجنوح وفوضى الاختيارات الجنسية. التي تطرح ذاتها كنوع جديد من الجنوسة أو الجنسانية المركبة بالمعنى الدلالي البيولوجي. المبالغة الحقوقية في أنسنة المثلية عرضت الفكر الثقافي البشري إلى هزات ثقافية وفكرية و نفسية.

لما انتحر البرلماني دومنيك فينز بتاريخ 22/05/2013 وهو يميني برتبة كاتب ومفكر و مؤرخ فرنسي يمثل الفريق المتأخر من المثقفين الجدد الذي يمجدون الذات والهوية ومطالب إصلاح الأفق القيمي للغرب. الحادثة وقعت في عهدة  فرانسوا هولاند سنة  2013 و مسرحها هو كنيسة نوتردام أمام مرأى ومسمع 1500 كاثوليكي من المؤمنين بالخلاص اليسوعي .ترك رسالة مؤثرة جدا. إطلاق النار الطوعي والقاتل للمنتحر كان قبيل انطلاق مظاهرة احتفالية للمثليين فرحا وبهجة بإقرار  قانون الارتباط والزواج بين الذكور أو الإناث في سابقة خطيرة أحدثت ثقوبا حمراء في الثقافة الفرنسية المعاصرة. المنتحر دومنيك مكروه سياسيا وتاريخيا من الجزائريين فهو مضلي سابق في جيش فرنسا المستعمرة ومؤرخ يمجد الكولونيالية ويدعم مواقف البقاء الثقافي والرمزي لفرنسا بالجزائر. ناهيك عن عضويته في منظمة الجيش السري التي ارتكبت فظائع في حق الجزائريين وحتى الفرنسيين المؤيدين للثورة الجزائرية  ومؤيد للأقدام السوداء. وجه الاستغراب في سلوكه هو التقاء رفض المثلية والجنسانية المتطرفة في الثقافة الإيمانية لكل الشعوب الإبراهيمية والأديان السماوية والتوحيدية وتوافقها مع تصورات يمينية.أو حتى بعض الأطراف في اليسار. قد يكون موْقفا بطوليا وشجاعا في نظر المؤمنين الذين ينعتون جحافل المثليين بالتسول الجنسي والنجس و الذين باتت أعدادهم تتكاثر وتتزايد وفق القاعدة اللاشرعية "أنهم قوم لا يتطهرون". خروجهم من الظل إلى ضوء النهار ومن أنفاق العتمة والظلام إلى إشراق الأنوار أصبح مدعما بقرارات دستورية وقانونية ووصايا سياسية جبرية. حالهم بات يشبه تحرر تلك الجماعات السياسية السرية  المعارضة التي خرجت إلى العلن من أوكارها . بعد مقتل النائب سارعت زعيمة اليمين المتطرف مدام مارين لوبان بنعت سلوكه بالفعل المرتبط بدوافع سياسية وشروط إيديولوجية وهو" موقف نحترمه جيدا" بحال لسانها السياسي .علينا أن نفهم جيدا أنه نائب ينضوي تحت دائرتها وأفق اليمين السياسي. لكن وجه الصدمة الثقافية هو ركن وتحويل مقتله الطوعي بالأثر السياسي فقط . تجريده من أبعاده الدينية والقيمية والأخلاقية. أي أن المثلية هي موقف جوهري في البناء الراديكالي لثقافة سياسية لائكية ممعنة في علمانيتها التي تتنكر للإرث الثقافي والفلسفي للجمهورية الأولى التي كان ماركيز دي لافاييت و ماكسيمليان روبيسبيار والماركيز دو كوندورسيه يحاولون تهجين المواقف السياسية الحرة والمدنية  مع تعاليم الدين المسيحي الكاثوليكي.

الفكر الغربي محكوم ببنية ثقافية ولاوعي أسطوري كلاسيكي رغم ادعائية تَمَثُله اللوغوس والعقلانية الموضوعية فاليونان  زمن غلبة التصورات الأرسطية كان الاعتقاد السائد لديهم  أن المرأة تشكلت بسبب تشوهات في الذكر وانحراف في الطبيعة الذكرية كما  ترى عصمت حوسو في كتابها (الجندر الأبعاد الاجتماعية والثقافية) فالمرأة لها تكوين بيولوجي رجولي بالمفهوم الطبيعي  وذكوري بالتصور الجندري الاجتماعي الثقافي  فهي "رجل ناقص" .فالتكوين الجنوسي متداخل وهو ما يؤهل التداخل الجنساني بين المتنافرين خَلقيا أصلا  .فالتركيز الجندري يجعل المرأة قادرة على التحول إلى رجل أو أن الرجل هو إمرأة ثانية فهو قادر على التماهي مع سلوكها البيولوجي والنرجسي والعاطفي لكن تحت مطرقة الجنس. وهو ذاته التصور الأفلاطوني المتشبع بإزدرائية مثالية نحو الحضور الأنثوي فالمرأة وظيفتها الإنجاب فهي مضخة للنسل والمتعة المؤقتة في الوقت الذي يجب أن يحب الرجال بعضهم بعضا. فالثقافة اليونانية الغلمانية  كانت تحفظ للنبلاء و الارستقراط والسادة حق الاستمتاع بالغلمان والصبيان ولم يكن ذلك قاعدة شاذة.  هذا الفراغ التأويلي والقراءة المقلوبة للعلاقة بين المتنافرين فيزيولوجيا والمختلفين جنسيا وفردانيا مهدت لثقافة المثلية والتي تُفسر سلبيا بالشذوذ. هناك جنوح وفوضى تفسيرية لجوهر التكوين الطبيعي للرجل والمرأة.هو اختلال في التصور  لمفهوم الفردية والجوهرية التي راهنت عليها كل الفلسفات من ظهور الفلسفة في الشرق العظيم مرورا بالإغريق حتى فلاسفة المسلمين .التعريف الماهوي للإنسان اضطرب بسبب تشويش نظري خائب طرأ على العقل الغربي.

هذا الجزء القاتم لتصور مهزوز لحضور الكائن البشري هو أمر مهول يهدد الوجود البشري ليس فقط على المستوى القيمي و الأخلاقي والإنسانية  وهذا التفرد خطير على مستقبل الفكر البشري فالإنسانية لم تعد أفقا أخلاقيا موثوقا به كما يقول المفكر التونسي فتحي المسكيني.لم يعد الإنسان الغربي مؤتمنا على التراث الإنساني بالمرة.

هناك تعصب جندري مثلي بدأ في التشكل والضغط عالميا هو شبيه بفوبيا جنسانية وعنف بيولوجي تسلل إلى القوانين والدساتير وقباب البرلمانات و تحول إلى قوى سلطوية وضغط طبقي مخملي وجنساني. ترتعد له فرائص الرؤساء والجماعات السياسية المتقدمة جدا علينا أن تتذكر أن وزراء في كندا ذوي تمثيل ومستوى سياسي عال لم يخجلوا من مثليتهم وقدموا زوجاتهم أو أزواجهم الذين يعادلونهم في نفس التكوين الذكوري أو الأنثوي في منتديات سياسية ومهرجانات عالية التمثيل والمستوى الدبلوماسي. وهنا وجه الغرابة كيف يقدم مسؤول سياسي رفيع  شريكه أو شريكة حياته أو السيدة المبجلة سياسيا  للاعتراف الدبلوماسي  المبتذل رغم انتمائهما لنفس الفصيلة الجنسية وهو التأكيد الذي يفصح  عن الترحيب بالظاهرة الجندرية الجديدة في أفق التحولات السياسية والثقافية الغربية.

استغربنا نحن العرب وقطر العربية  تحتضن  كأسا عابرا للثقافات والحدود والأقاليم حيث كرة الجلد لها غوايتها وتأثيرها السحري على الأفئدة والأرواح، كرة القدم دخلت بقوة معادلة الحضارة وتخطت كونها رياضة فلكلورية أو  ترفيهية إلى الاستحواذ الأخير على عالم السياسة والمال والأعمال وباتت مشروعا ثقافيا وسياسيا يتبادل فيه البشر الرسائل والإشارات والرموز فالملاعب كما هي واحات وساحات للفرجة والإمتاع والاستمتاع هي فضاء لتبادل الرموز و القناعات والعقائد أيضا .طغى عليها محاولات تمرير توجهات إثنية وبيولوجية وجندرية. أصبح الستيديوم والملعب ساحة حرب للشارات والإشارات والهويات القاتلة. تفطنت القيادة القطرية والهيئات المنظمة لتلكم النزعات التي تحاول التشويش العقدي على التراث العربي والأعراف البدوية والعربية القطرية في خضم حدث كروي جلل أضحى من المستحيل فيه التمييز بين الايديولوجيا والسياسة و الرياضة. لذا راهن المنظمون على الثبات الثقافي ضد هذه  الإكراهات فسطروا خططا أمنية مشددة ضد التلاعب بالتوجه العام لهذه المناسبة الكروية لإخراجها من سياقها العربي.كون الكرة وكأسها المبجل لبسا الكوفية والشماغ العربيين.

الصدمة الثانية هي إعلان دولة بحجم ألمانيا عن مثليتها ونتذكر هنا الحركة التي قامت بها الوزيرة الألمانية  نانسي فيـــزر والتي ترقى إلى الاستفزاز السياسي الساذج وهي تُطوِّق ذراعها بشارة"حب واحد" المثلية كنوع من الاحتجاج الثقافي والحقوقي ضد المنظمين . هذا الحب الذي انتهى بهزيمة ألمانية أمام الفريق الياباني الفتي والخلوق والإنساني المحب لعقيدة الشنتو Shinto . الفريق الالة دابت دواليبه تحت كيمياء لاقيمية هي "المثلية" . هذه الردة السياسية والثقافية تحيلنا إلى التاريخ المعاصر.الذي شهد أكثر الحملات شراسة في اضطهاد المثلية في الرايخ الألماني بين سنة 1933 حتى سنة 1945 تم تفكيك وتشتيت 50 ألف "مثلي" وملاحقتهم  بالتهديد والسجن والإعدامات أحيانا بل أحدثت جهاز المخابرات الألماني الغستابو  السيئ السمعة دائرة لمتابعتهم واصطيادهم كونهم لا يمثلون المعايير الألمانية الآرية والجرمانية وأخطر الاتهامات هي ميولهم العرقية اليهودية والسامية وقد كشف عن ذلك اليهودي ماغنوس هيرشفيلد  Magnus Hirschfeld (1868/1935 طبيب يهودي وعالم جنس مؤيد للمثلية علنا). رئيس أكثر المنظمات المدافعة عن حقوق المثليين وأحد المطالبين بتفعيل سياسات تؤيد التحول الجنسي.

الاصطياد الناعم والرافض لهذه الظواهر الجندرية في ملاعب الكرة القطرية خلال الكأس العظيم ،عكس تناقضات وأفرز نتائج تحليلية كثيرة مؤسفة جدا فقد خاب ظننا كعرب في الألمان الذين كنا نحترمهم كونهم أكثر الشعوب الغربية المتدثرة بمركزيتها المثالية والعقلانية والتي تربطها قرابة ثقافية ولغوية وفلسفية وأدبية مع المخيال العربي .فلطالما أنصف جمهور حكمائهم الثقافة العربية وأشادوا ببطولات الانسان العربي المسلم  والشعر و العربي أمثال كانط وهيغل  وهولدرلين وغوته وحتى الفيلسوف المجنون نيتشه.هذا الإنقلاب في قطر بيّن أمرا ليس بالجديد وهو أن الألمان يمارسون كل السلوكات و المواقف التي بإمكانها أن تكون قرابين عرفان للتنصل والتجرد من تاريخهم النازي ولو كان ممارسة الرذيلة والانضمام إلى المثلية هذه الأخيرة بمثابة هلوكوست ثاني يجثم في قعر الضمير الألماني وبالتالي تدخل المثلية كطرف في الابتزاز اليهودي والصهيوني لهذه الأمة المستعبدة لاشعوريا وثقافيا .بل الأخطر والأسوأ هو تحويل المثلية إلى ايديولوجيا عابرة للثقافات وفرضها على شعب يتطهر من النجس والرجس أو الشعب التي وصفه الله عزوجل " وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ".

هذا اللغط الذي كثر فيه الحديث عن مؤهلات دولة عربية  واعدة كقطر في تنظيم بطولة عالمية عالية التكاليف والإعدادات والاستعدادات سرعان ما تحول إلى حرب حقوقية  دونكيشوتية مقيتة ضد نفس البلد والذي  يعكس الفجوة الثقافية بيننا وبين الغرب والأنا المتغطرس والمتعالي لثقافة غربية شوفينية لا ترى إلى صورتها تنكعس في الطلاء الذهبي لكاس العالم.نجاح أي فريق عربي في هذه الدورة  بالموازاة مع النجاح التنظيمي والتقني والسياسي للبلد المنظم يجب أن يعيد العرب إلى مصادر ذاتهم.فكُرَة القدم اصبحت وشاحا تتسربل تحته كثير من القناعات.انعمتم صباحا

بصري محمد كاتب من الجزائر.

 

Share To: