عن مثل " ثور الله في برسيمه أو طور الله في برسيمه" | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
من العبارات التي تنتشر على ألسنة كثير من الناس عند توصيفه لآخر في ضعف الفهم والإدراك لشيء ما ، أن يقول عنه (تور الله في برسيمه )، وهي تقال عادة على سبيل الاحتقار والازدراء لبعض الناس، وأن من قيلت فيه العبارة مثل الثور الذي يضرب به المثل ظلما وعدونا في البلاهة والغباء ، فهل التعبير بهذه الجملة سائغ شرعاً أم لا ؟
أقول وبالله التوفيق والسداد
هذه العبارة غير سائغة شرعاً لعدة أسباب :
الأول : أن الله سبحانه وتعالى ليس له ثور مخصوص حتى نشبه خلقه به ، ولماذا ثور الله تعالى إن كان له ثور مخصوص ؟! يشبه بالبلادة والغباء دون الثيران الأخرى - حاشا لله تعالى_
الثاني : أنها تحمل في ظاهرها سوء أدب مع الله تعالى لا يليق به ، فينبغي للمؤمن أن يراعي ألفاظ الإجلال والوقار مع رب الأرض والسماء وقد قال تعالى: { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } 13 نوح، أَيْ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عظمة.
الثالث : أنها تنافي تعظيم الرب جل وعلا وأن له ثوراً يرعى في حقل برسيمه كما أن للبشر ثيراناً أخرى ترعى في حقولهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراٍ، وصدق رسولنا الكريم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّار) متفق عليه .
وقد يقول قائل : ألم يقل الحق سبحانه وتعالى : (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) الشمس 13 ؟
أقول : لا يصح هذا الاحتجاج بهذه الآية الكريمة ؛ لأن نسبة الناقة إلى الله تعالى في هذه الآية نسبة تشريف وتخصيص ، والنسبة في عبارة ( تور الله في برسيمه) نسبة احتقار وازدراء.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح (1/ 154): (وَالثَّانِي إِضَافَة أَعْيَان مُنْفَصِلَة عَنهُ كالبيت والناقة وَالْعَبْد وَالرَّسُول وَالروح فَهَذِهِ إِضَافَة مَخْلُوق إِلَى خالقه ومصنوع إِلَى صانعه لَكِنَّهَا إِضَافَة تَقْتَضِي تَخْصِيصًا وتشريفا يتَمَيَّز بِهِ الْمُضَاف عَن غَيره كبيت الله وَإِن كَانَت الْبيُوت كلهَا ملكا لَهُ وَكَذَلِكَ نَاقَة الله والنوق كلهَا ملكه وخلقه لَكِن هَذِه إِضَافَة إِلَى إلهيته تَقْتَضِي محبته لَهَا وتكريمه وتشريفه . .
قال الشيخ غمر الاشقر :قوله: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) وقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) وقوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ..) فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكن إضافة تقتضي تخصيصاً وتشريفاً، يتميز بها المضاف إلى غيره « القيامة الصغرى (1 / 99).
الرابع : أنها تعد سباً لمن وجهت له ؛ ومعناها أن الموصوف بها كالتور -أي الثور- الذي خلقه الله ولا هم له إلا أكل البرسيم، وهذا الوصف كناية عن البلادة والغباء .
الخامس: فيها تشبيه الإنسان بالحيوان ، وهذا لا ينبغي أيضا ، وحتى لو لم يشبهه بالحيوان فإن سبه بالغباوة والبلادة فهذا لا يجوز؛ فإن كان هذا بحضوره فهي سخرية وتنقص ، وإن كان في غيابه زادت بأنها غيبة .
ولكن السائغ شرعاً في مثل هذه الأحوال وأشباهها أن يحوقل أي أن نقول : لا حول ولاقوة إلا بالله ، أو إنا لله وإنا إليه راجعون ، أو الدعاء له بالفهم وحسن الإدراك ، مثل يامعلم إبراهيم علمه ، ويامفهم سليمان فهمه لعلها تكون ساعة إجابه فتدركه بركة هذا الدعاء .
وقيل أن أصل العبارة :ثور لاه في برسيمه.
الخلاصة : أن هذه العبارة لا يشرع قولها من وجهين:
الأول: تَنْزِيه الله تعالى عن الألفاظ الموهمة التي ليس فيها إضافة تشريف ولا تخصيص
الثاني: أن هذه العبارة تتضمن ازدراء من قيلت فيه واحتقاره وهذا هو الكبر بعينه ، قال عليه الصلاة والسلام : الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم .
الثالث : قد يقع تحت طائلة استخدام هذه الألفاظ الذين يقومون على العملية التعليمية من مدرسين ومدرسات ، بل قد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك بوسم الطالب بالحيوان ، فقد يكون حماراً ، وفي القصة التالية عبرة :
دخل أحد المدرسين الفصل ، ففاجئه التلاميذ بقولهم ، يامعلم ، أنت دخلت الفصل الخطأ ، أنت تدرس للفصل الثاني ، فرد معلم العلم ، عذراً : (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) البقرة 70 ، فرد أحد التلاميذ بفطنة وذكاء ، قال لا حرج عليك معلمي : (كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا) النساء 94 .؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
والله تعالى أعلى وأعلم
Post A Comment: