ذِكْر اللهِ تَعَالَى وتّسْبِيحَه | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
لَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ بِأَقْوَالٍ وَكَلِمَاتٍ بِاللِّسَانِ يَسِيرَةٍ ، لَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ رَتَّبَ عَلَيْهَا الْأُجُورَ الْكَثِيرَةَ وَالْحَسَنَاتِ الْكَبِيرَةَ ، فَتَثْقُلُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ ، وَتَرْفَعُهُ عِنْدَ اللهِ دَرَجَاتٍ ، وَتَحُطُّ عَنْهُ الْخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ .
فَمَا أَعْظَمَ فَضْلَهَ عَلَيْنَا .
وَمَا أَجَلَّ مِنَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .
#وَمِنْ_ذَلِكَ
تَسْبِيحُ اللهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان :
وَالتَّسْبِيحُ هُوَ تَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ ، وَتَعْظِيمُهُ تَعَالَى بِإِثْبَاتِ كُلِّ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَسْمَاءِ الْجَلَالِ ، وَقَدْ سَبَّحَ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ :
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
[الصافات:159]
وَأَمَرَ بِتَسْبِيحِهِ فَقَالَ:
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
[النصر:3]
وَأَخْبَرَ أَنَّ مَلَائِكَتَهُ لَا يَمَلُّونَ وَلَا يَتْعَبُونَ مِنْ تَسْبِيحِهِ فَقَالَ :
وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ
[الأنبياء:19-20]
بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، حَتَّى السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ .
قَالَ تَعَالَى :
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
[الإسراء:44]
وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ مَقَاصِدِ بِعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ تَسْبِيحَ اللهِ تَعَالَى بِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْمَعَانِي قَالَ سُبْحَانَهُ :
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
[الفتح:8-9]
وَلَمَّا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى الْعِبَادَ بِالذِّكْرِ خَصَّ التَّسْبِيحَ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ وَجَلِيلِ قَدْرِهِ فَقَالَ :
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
[الأحزاب:41-42].
لَمَّا كَانَ تَسْبِيحُ اللهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهُهُ وَتَعْظِيمُهُ مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ وَأَفْضَلِ الْأَقْوَالِ جَاءَ الْأَمْرُ بِهِ فِي السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الأَذْكَارِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ ، وَفِي أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ ، وَوَرَدَتْ فِي فَضْلِهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ .
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ»
[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
وَفِي لَفْظٍ :
« مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَإِذَا أَمْسَى كَذَلِكَ ، لَمْ يُوَافِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ بِمِثْلِ مَا وَافَى»
[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
فَحَافِظْ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ ؛ فَهُوَ رِفْعَةٌ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَالتَّسْبِيحُ مِنْ أَسْبَابِ غَرْسِ الْجَنَّةِ :
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
« مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ»
[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]
وَفِي لَفْظٍ :
« مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ غُرِسَ لَهُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ » .
[رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ].
تَسْبِيحُ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَجَلِّ الْكَلَامِ وَأَحَبِّهِ إِلَى اللهِ :
فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ ؟
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ فَقَالَ :
« إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ » .
[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ:
أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ ؟
قَالَ :
« مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ :
سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ »
[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
بَلِ التَّسْبِيحُ يَعْدِلُ كَثِيرًا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَدْ يَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ أَدَائِهَا .
فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« مَنْ هَالَهُ اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ ، أَوْ بَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ ، أَوْ جَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ؛ فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ » .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
أَلَا تُرِيدُونَ أَنْ تَثْقُلَ مَوَازِينُكُمْ يَوْمَ لِقَاءِ رَبِّكُمْ ؟
فَعَلَيْكُمْ بِتَسْبِيحِ اللهِ :
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ » .
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
وَمَعَ إِثْقَالِهِ لِلْمَوَازِينِ فَهُوَ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا .
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
« مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ » .
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
إِنَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى عُمُومًا وَالتَّسْبِيحَ خُصُوصًا مِنْ أَسْبَابِ ارْتِفَاعِ الْعَبْدِ مَنَازِلَ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْجَنَّاتِ ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَافَظَ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ .
وَهَذِهِ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعُمُرِ ، فَلْيَزْدَدْ مِنَ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْأَجَلُ فَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَاتَ ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ .
تَسْبِيحُ اللهِ وَذِكْرُهُ وِقَايَةٌ لِلْعَبْدِ مِنَ النِّيرَانِ، وَسَبَبٌ لِدُخُولِ الْجِنَانِ .
فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقْرِئُ هَذِهِ الْأُمَّةَ السَّلَامَ ، وَيُوصِيكُمْ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فَعَلَيْكُمْ بِهَا ؛ تَسْلَمُوا وَتَغْنَمُوا .
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا :
سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ » .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَتَسْبِيحِهِ ، وَتَحْمِيدِهِ وَتَهْلِيلِهِ ، تَحُوزُوا الْأُجُورَ الْكَثِيرَةَ ، وَالْحَسَنَاتِ الْكَبِيرَةَ ، وَلَا تُفَرِّطُوا فِي أَوْقَاتِكُمْ ، وَعَوِّدُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكُمْ .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْغَافِلِينَ.
وصَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين
Post A Comment: