زواج  لا مساكنة | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


زواج  لا مساكنة | بقلم دكتورة روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة



أرسل الله تعالى رسوله بالهدى ويدين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ويقضي على عادات وأعراف جاهلية قائمة على الظلم والجور ، منها فوضى الشهوات في النساء ، (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ...) الأعراف 33 ، فحرم جميع العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء التي كانت تنتشر في الجاهلية ، وأقر الزواج فقط ، لبناء مجتمع قوي مترابط يقوم على الخلق والفضيلة ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف 189 فالزواج طاعة لله ولرسوله ، وإعفاف النفس والزوجة ، وتكثير عدد المسلمين وإسعاد الرسول الأمين ، وطلب الذرية التي تعمر الأرض وتعبد الله ، وفيه حماية للمجتمع من الآثار المدمرة لترك الزواج ، وهو سبب من أسباب الغنى ورفع الفقر والحاجة ، وغير ذلك من المصالح التي تعود على الفرد والمجتمع .

 أما مانراه  على وسائل الإعلام من مناقشة مسألة ( المساكنة قبل الزواج ) وهي ممارسة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة قبل الزواج بهدف التجربة ، واختبار القبول من الطرفين ، فإن توافقا ، عقدا الزواج ، وإن لم يتوافقا ، ينفصلان ، وتبحث عن ساكن جديد ، ويبحث هو عن ساكنة أخرى ، كما يحدث في بعض المجتمعات الغربية ، فهي مسألة مرفوضة دينيا ومجتمعيا ، وللأسف يحاول الإعلام بمناقشة هذه المسألة تعميمها في الداخل دون النظر إلى أعراف المجتمع وعاداته وتقاليده الدينية والمجتمعية ، ودون النظر لأكبر فئة تُشاهد هذه البرامج وهم فئة الشباب من الجنسين لذا نقول : 

1- حرم الله تعالى كل علاقة جنسية بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج الصحيح ، واعتبرها جريمة زنا ورتب عليها عقوبات حدية للبكر والثيب ثابتة بأدلة قطعية صريحة في الكتاب والسنة ، ومساكنة الرجل للمرأة ومعاشرتها معاشرة الأزواج جريمة زنا ، وإن سُميت بغير اسمها وهو من أفحش الكبائر ولم يحل في ملة قط ، لأنه جناية على الأعراض والأنساب ، فقال تعالى: ( ولا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء 32. ويمكن ملاحظة أن الله قال في الآية ولا تقربوا الزنا ولم يقل ولا تزنوا؛ وهذا من بلاغة القران الكريم ، والمعنى هو أن الله يريد من عباده أن لا يعزموا على ارتكاب جريمة الزنا وأن لا يأتوا بمقدمات الزنا وأن لا يدنوا منه فضلاً عن مباشرته ، فهذه الآية الكريمة تنص على اجتناب كل مامن شأنه أن يؤدي إلى جريمة الزنا ، مثل النظر بغير ضرورة ، واللمس ، ومشاهدة أو سماع مواد إعلامية تخاطب الغريزة وتحرض وتهون ارتكاب هذه الجريمة وغير ذلك .

قال الرازي : وصف الله الزنى بصفات ثلاثة : كونه فاحشة ، و مقتاً في آية أخرى ، و ساء سبيلا . أما كونه فاحشة فلاشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم ، ولاشتماله على التقاتل و التواثب على الفروج ، وهو أيضاً يوجب الخراب ، وأما المقت فلأن الزانية تصبح ممقوتة مكروهة وذلك يوجب عدم السكن والازدواج ، و أما أنه ساء سبيلا فلأنه لا يُبقي فرقاً بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكور بالإناث ، و أيضاً يبقى ذل هذا العمل وعيبه على المرأة من غير أن يصير مجبوراً بشيء من المنافع . 

2-  قد مدح الله المؤمنين بالبعد عن الزنا فقال في سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )  . والعادون أي المتجاوزن الحلال إلى الحرام.

3- وعنْ أبِي اُمَامَةَ، قَالَ : اِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ، فَقَالَ – صلى الله عليه وسلم - :ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِاُمِّكَ؟ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِاُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: اَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: اَفَتُحِبُّهُ لِاُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِاَخَوَاتِهِمْ ،قَالَ: اَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ: قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ،قَالَ اَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ اِلَى شَيْءٍ.  أحمد بإسناد صحيح .ففي هذا الحديث الشريف خاطب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشاب بالمنطق ليصل به إلى إيمانه بالتحريم ، فلما لم يرضه لأقاربه ، بين له النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القياس أن كل الناس لايرضونه لمحارمهم لقبحه وشناعته .

4- المساكنة ( الزنا )  تشتمل على أنواع من المفاسد : 

أولها : اختلاط الأنساب واشتباهها فلا يعرف الرجل أن الولد الذي أتت به المرأة أهو منه أو من غيره ، فلا يقوم بتربيته ولا يستمر في تعهده ، وذلك يوجب ضياع الأولاد ، وذلك يوجب انقطاع النسل وخراب العالم .

 وثانيهما : أن المرأة إذا باشرت الزنا وتمرنت عليه بانتقالها من ساكن لآخر يستقذرها كل طبع سليم ، وكل خاطر مستقيم ، وحينئذ لا تحصل الألفة والمحبة ولا يتم السكن والإزدواج ، ولذلك فإن المرأة إذا اشتهرت بذلك تنفر عن مقارنتها طباع أكثر الخلق .

ثالثهما : أنه إذا انفتح باب المساكنة فحينئذ لا يبقى لرجل اختصاص بامرأة ، وكل رجل يمكنه التواثب على كل امرأة شاءت وأرادت . وحينئذ لا يبقى بين نوع الإنسان وبين سائر البهائم فرق.   

 رابعا : أنه ليس المقصود من المرأة مجرد قضاء الشهوة بل أن تصير شريكة للرجل في ترتيب المنزل وإعداد مهماته من المطعوم والمشروب والملبوس ، وأن تكون ربة البيت وحافظة للباب وأن تكون قائمة بأمور الأولاد ، وهذه المهمات لا تتم إلا إذا كانت مقصورة الهمة على هذا الرجل الواحد منقطعة الطمع عن سائر الرجال ، وذلك لا يحصل إلا بتحريم الزنا وسد هذا الباب بالكلية .  

وأخيرا أقول :  فتح باب النقاش إعلاميا في مثل هذه الموضوعات التي تتعارض مع القيم والأخلاق والأعراف المجتمعية ، فضلا عن معارضتها الصارخة لأحكام الشريعة الإسلامية ولثوابت الدين الحنيف الذي لم يكتف بتحريم الزنا فقط بل حرم كل الوسائل المؤدية إليه سيفتح باب الفتنة والفساد في المجتمع ، ولن يجني المجتمع من خلف هذه الدعوى إلا الهلاك .



Share To: