القَلْـبُ حَـرمُ اللّٰـه.. | بقلم الكاتبة المصرية آيات عبد المنعم
حيـنَ تأخذُكَ القِـراءة إلىٰ عوالمها الخفيّـة، لابُـدَّ أن يستوقِفُكَ هذا التعبير؛ {القَلـبُ حَـرَمُ اللّٰـهِ، فَلاَ تُسكِنْ حَـرَمَ اللّٰـهِ غَيَـرَ اللّٰـهِ}.. الصادق رضوان اللّٰه عليه وعلى آلـه الكِرام.
أيُّ قلـبٍ مُـؤمنٍ يُدركُ تماماً أنَّ كلَّ ذرات وجوده من اللّٰه وإلىٰ اللّٰه، لكنَّ العبارة الشرطيِّة الثَّانية هي الَّتي تهزُّ كيانه وتسببُ قلقاً معرفيًّا وسلوكيًّا لديه، كيفَ لنا أن لا نُسكِن أحداً غيرَ اللّٰـه، ونحنُ المعجونون بحبِّ أهلنـا وأشيائنـا وأوطاننـا.
لو فكرنا بشكلٍ طفوليٍّ ساذج، سنعتقدُ أنَّهُ علينا خلق حالة من الخصام بيننا وبيـنَ كُلِّ "مَـن وَمَـا" نُحـبُّ.
لكـن لو تأملنـا حالةَ القلبٍ الَّذي لا يحملُ حُبًّـا إلاَّ "اللّٰـه" عزَّ شأنهُ الواحد الأحد الفرد الصمد؛ إذا تتبعنا أنفاسهُ سنجدهُ يطوفُ حـولَ اللّٰه دوماً يستقي من كمال وجمال أسمائـهِ الحُسنـى نـوراً، نبضاتُ قلبهِ تحيا مع مواقيت الصلاة، تلافيـفُ جُمجمتهِ تسري في عروقها مدادُ العلم، يُزاحمُ العُلماء بكلتا رُكبتيه، يـدُهُ رفيقةُ المَعول في الحقل.
لسانهُ المُتحركُ حتَّى وإنْ غفىٰ يغدو كقمرٍ هادئٍ يطفو علىٰ صفحةِ الكون يُسبِّح في ملكوتِ الرَّحمـن يُهلِّلُ ويُكبّـر.
إن صافحَ الشَّجـر والبشـر طَبَـعَ علىٰ جبيـنِ قلوبِـهم بسمة، وإن حملَ البندقيّة يداهُ لـنْ تضلَّ الطريـق، يحمِلُ وطنـهُ في قفصهِ الصدري، يفديهِ بدمهِ ويمضي علىٰ سبيـل النُّـور، رُوحُـهُ تَفْقَهُ منْـطِقَ الوردِ بعطـرهِ وشَوْكهِ.
أنْ يكونَ قلبُـكَ حرمٌ للّٰهِ يعني عليـكَ؛ أن تعي بِأنَّ الخَلقَ طريقُك إلى الخالق، وأنَّ أحبَّ النَّـاسِ إلى اللّٰـه أنفعُهُم لعيـالهِ.
بيني وبيـنَ هذا القلب السَّامي سنـواتٌ ضوئيِّـة، وتلالٌ من الحُجب، طينـي ومائـي يُعكرانِ عليَّ طريقَ العُروج، ورُبَّما لأنَّ صعوبة الرحلة؛ لا تتطلب منـكَ أنْ تجلسَ في زواية الجامعِ تدعو لشأنِك الخاص فقط، وتعزفَ عن الدنيا؛ بل أن تكونَ حاضراً مع النـاس، فعَّالاً في مجتمعك، شريطةَ أن يكون في جيبِ روحك مفتاح الوصل ومنهاجَ الوصول.
حيـنَ اجتهدتُ أنْ لا يسكن في القلب إلاَّ اللّٰـه، بتُ أكثرَ تعبيـراً عـن الحُـبِّ لِمن حولـي، دونَ أنْ أنتظِرَ مطرَ السَّماء يُلقي في كفِّي عطرهُ الأخضر.
«آسف، أشكـرُك، أحُبُّـك» وِرْدي اليومي لأهلي وللخواص المُقربين، لأنَّ اللّٰـه في قلبي لن يقبل، «استغفاري، وشكري، وحبِّـي» إنْ لم أزرعْ في دربي ودّاً وأنزعَ بُغضاً.
صدرُ من أحِـبُّ، جـذعُ الشجرة، وجهُ المـاء، الفجرُ المشرقُ في عيون أمّـي، ومسبحةُ أبي، كلُّها مرادفات وظلالٌ تنسجُ خيوطها من سجادة الصَّلاة في غرفتي؛ مازالَ الطريـقُ أمامي طويـلاً جداً يملؤهُ التعثُّـرُ المُوحش، لكنِّـي أحاول أنْ يكونَ ظهري مئذنةٌ، وقلبي مسجدٌ، ودَمي يُصلِّي في محرابِ العَاشقيـن.
آيات عبد المنعم.
بيـروت..
1 / ذو الحجة/ 1444 هـ.
20/ يـونيـو / 2023 مـ.
Post A Comment: