لا تخمدوا الأنفاس | بقلم الكاتبة المصرية إيناس المغربي 


لا تخمدوا الأنفاس | بقلم الكاتبة المصرية إيناس المغربي



﴿  لا تكن فضوليا تخمد الأنفاس  ..!! ﴾

في بيت بعيد .. حوائطه قريبة من بعضها، مساحته صغيرة ضيقة، خافت الأضواء، مترامي الأطراف، يرتاده البعض وقد لا يرتاده البعض الآخر ولا يهتم بأن يسبر أغواره ولا يتجول في أنحائه وطرقاته، لكني أراه متسعا لقلبي قريبا، فضفاضا لآلامي صديقا، مُتلق بكفيه لدمع العين مجيبا،  هدوؤه راحة لأعصابي، قمره الساطع خُلق لمناجاة أفكاري، سقفه ستر عال لأوجاعي، وأرضه بئر سحيق لأسراري، القمري الحنون على شجره يعزف ألحاني، وخرير الماء لجدوله صوت يثير  أشجاني، حتى نعيق البوم كأنه عندما أبكي أو أحزن يرثيني بصوت نعيقه  حالي ..

الهدوء والسكون والقمر والظلمة المتشربة من ضوئه الفضي، ورفيف أوراق الشجر مع نسمات الهواء الشاردة والواردة، كله صديق لجميع  أصحاب الحس العالي، من مبتلٍ يرثي حاله سرح بخاطره هنيهة، فتذكر قطار أوجاعه، الذي مر طيفه أمام عينيه فأبكت ذكرى الأوقات الأليمة مُقلتاه، أو ثكلى فقدت حب عزيز غال فذهب وترك لها ليلا مسهدا وحزنا سرمدا تتجرع كؤوسه ليال، أو حبيب فقد محبوبته وبات موجع القلب محزونا باكِ ، كذلك من وجد ضالته التي يبحث عنها طيلة حياته فوجد أحلامه وآماله فيها، حبيبة وهبها عمره وسنينه، ووهبته كل نفيس وغال .. والجميع كله يعاني، يحزن ويفرح ، يسعد ويشقى، وهكذا على التوالي ..

 فلم يجدوا في التعبير عن حزنهم وسعادتهم إلا في هذا الكهف البعيد الحاني، الذي يرمون على أعتابه همومهم وأشواقهم، أشجانهم وأحلامهم في ركن بعيد هادئ  ..

في عقل كل إنسان بيت بعيد يريد الذهاب إليه بمفرده حسب شعوره وإحساسه، وربما أراد أن يحرك ساكنا كتمه وقض مضجعه فيريد أن يصرخ بين أنحائه بصوت عال بما يجيش في قلبه ويغلق عليه صدره، فيرتد صوت صداه إليه وكأن معه أنيسا صديقا يشاركه  أستغاثات وجدانه، وربما فرح فرحا شديدا أذاب قلبه وطار بعقله وخاف حاقديه وحاسديه والمستهين بإحساسه، فأراد أن يهمس بين جدرانه فتضحك معه لَبِناته، ..فإلى أين الذهاب ليستريح في التعبير عن رغباته !!


أتركوا لكل إنسان كهفه الصغير الذي يعيش فيه حرا بين ردهاته، لا تقتحموا أفكاره ولا تعبثوا بأسراره ،ولا تكونوا فضوليين تتحسسوا أخباره، فلكل إنسان دخائله ومتعلقاته، أحزانه وأفراحه !!

كونوا دائما حمائم سلام وبلاسم شفاء وعطور بستان، ولا تكونوا متطفلين ولا حاسدين ولا ناقمين ولا حتى ناصحين إلا إذا طُلب منكم ذلك، فكل إنسان يعلم ما بحاله، وكل إنسان لديه من الأسرار والمشاعر ما يود أن يحتفظ بها في أغوار ذاته، لا يطلع عليها إنسان كائن من كان، لا تضيقوا على غيركم الحياة فإنها ثقيلة بمشاكلها أليمة بعثراتها، كئيبة بتغير طبائع وضمائر الناس،  فاجعلوا بين الإنسان ونفسه فُرجة من التنفيس والانفراد بالنفس لعلكم باقتحامكم حياته أكثر من اللازم تودوا بحياته وتقضوا عليه فتُخمد أخر أنفاسه ..

وكما قال رسولنا الكريم 'صلى الله عليه وسلم" (من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه ) فكن كما علمك حبيبك صلى الله عليه وسلم، حب لغيرك ما تحبه لنفسك ..ولاتكن فضوليا فتخسر غيرك وذاتك !!




Share To: