الذكرى | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد


الذكرى | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد


في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة أعوام، غابت شمسي، انطفأ سراجي، ونسجت خيوط الأسى أبوابي، لقد رحلت أمي في الثامن من أغسطس/آب 2020م، في فجيعةٍ لم يشهد تاريخي أعظم منها، أمي التي وهبت عقلي توقُّده، كدت أفقده من هول الصدمة وقتذاك، لكنه الله! آوانا وأيّدنا وربط على قلوبنا.


منذ رحيلها وأنا أستشعر ما معنى موت الأماكن، موت البيوت، كيف تموت الحياة ونحن على قيدها!

تلك هي الحقيقة، فكل المشاعر من دون "أمي" ناقصة، لا أقول لا يوجد ما يُسعد لكن الاحساس بالفرح اختلف! شِبه فرح، شِبه ضحك، شِبه نجاح،.. شيءٌ ما ينقصني، مكان في داخلي مهجور، لا أحد يعرف حقيقة الوجع وشدته كما أعرفها أنا.


حكى أحدهم عن وجعه يقول: حين اشتد على أمي المرض، خرجت مُهرولًا نحو الصيدلية أبحث عن دواء، سمعت صياح رفاقي بالطريق وهم يلعبون الكرة، يُنادون بإسمي ويركضون نحوي لأشاركهم اللعب، واصلت الجري ولم ألتفت، تعجّبت وقتها كيف يلهو هؤلاء ويضحكون وأمي تموت! لماذا كل هذا الضجيج في الشوارع! إنها "أمي" أيها العالم، فهلَّا توقفت؟! 


مَثل هذا كمثلِ البقية، فأجدني أزعم أن أحوال من فقدوا أمهاتهم تكاد تتشابه، حتى أشكالهم! شيٌ ما يربط تلك القلوب المنكسرة، سيماهم في وجوههم! رغم اختلاف المفردات إلا أن القصة في الأخير واحدة، في ظاهرهم أحياء يُرزقون يضحكون ويفرحون، لكن قلوبهم باليّة، مُنهكة، جرحها عميق، توابيت تمشي بين الناس، لا يدري بوجعها أحد، كان الله في عون كل قلب فقد عزيز، لكنها الحياة جُبلت على النقص لا راحة دائمة فيها ولا اكتمال.


أمي؛ علوية عثمان الزبير.. إمرأة صالحة، حُق لها أن ترتقي لأعلى درجة في الجنة، أفنت روحها في اسعاد من حولها، لم أرَ إنسانًا راضيًا كأمي، لم أعاشر قلبًا متسامحًا كقلبها، ولا أظن أن أحدًا غيرها يملك كل هذا القدر من الخير والرضا والحب، لله درها من أُم.


أخيرًا أردد مع أزهري محمد علي مرثيته:

دخلتي زي ختة نفس

مرقتي في لمحة بصر

مرقتي لا حس لا خبر

لا لوّحت ايديكِ تلويحة وداع 

لا سبتي جنب الباب أثر.. 


نحنا إدّخرناك لليالي الحالكات 

للزمان المُر وساعات الخطر 

اديتي فرضك والنوفل 

والباقيات الصالحات 

ياطيبة انتِ على سفر 

يا الله من هذا السفر 

يا الله من هذا اللهيب.. 


العاديات عدّت على تعب الجسد 

وركضت خيولك مسرعة 

ليه راقدة في ضيق اللحد

والدنيا بي هذي السعة..


إلى غاليتي في عليائها: لقد تزيّنت بكِ وبالمخلصين من أمثالك تلك العوالم الأخرى.


..لقاؤنا في الجنة بإذن الله..

..إنا لله وإنا إليه راجعون..


الذكرى | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
أمي



Share To: