ماذا لو وحَّدْنا البحر وأسقطنا الأسماء؟ | بقلم الكاتبة الأديبة المصرية آيات عبد المنعم


ماذا لو وحَّدْنا البحر وأسقطنا الأسماء؟ | بقلم الكاتبة الأديبة المصرية آيات عبد المنعم


ماذا لو وحَّدْنا البحر وأسقطنا الأسماء؟ | بقلم الكاتبة الأديبة المصرية آيات عبد المنعم


شُرفة صغيرة تطلُّ علىٰ مشهدِ البحرِ في بيروت، كانت بمثابة زورق بجناحين يفتحُ شهيتي للإبحار.. 

وحده اللّٰه قادر أن يضعَ الحُبَّ في قطرةِ ماءٍ، تُنجبُ في كفَّيكَ غيمةً بيضاء تُمطرُ لكَ ذاكرةً فُجائيّة تطوي خُطاكَ، على طولِ البحرِ الأبيض المتوسط..


قلبي في منتصف الطريق، يتيهُ في ربوع اللاذقية، ويمرُّ علىٰ طرطوس، يطوفُ بين أزقة جزيرة أرواد، وعباءةِ أمّي الّتي أهدتني مسبحة الشَّاطئ هُنـاك، أسكنُ في جسد مزهريةِ الأصدافِ، وأغفو قليلاً في صندوقٍ كبير صنعهُ صيادٌ من رائحة البحر، فكلُّ ما فات كان من الصدفِ الحُرّ يُزينُ رُكنّاً عزيزاً في بيتي..


عجيبة قطرةُ الماء تلك إنَّها بسيطة وشفافة وهَشَّة، لكنَّها حملتْ حياتي كُلّها في لقطةٍ، أكتبُ عنها الآن؛ وكأنّي اختصرُ تُراب العمر في فنجانِ قهوةٍ يسردُ أوطاني في بضعِ سطور..


لقد أَضْنَانِي الحنيـن، تمدَّدَ كرمال الصحراء العربيّة الساخنة حيثُ ولِدتْ روحي بين حبَّاتِها، قذفني من الخليج العربي، من إمارة دبي الّتي سلبتْ شبابَ أبي، وسكبتْ عرقَهُ الطيب علىٰ دلال طفولتي، ومضى بي مسرعاً إلىٰ شاطئ الاسكندرية؛ رماني على عتبةِ مكتبتِها العريقة الّتي أغبطُ زوارها الدائمين، عرجتُ علىٰ المتنزه، وتوقفتْ عند قلعة قايتباي، نسيم البحر هُناكَ خفق في أُذني مرَّتين، في أوّلِ مرَّة كان الصوتُ صاخباً استمعتُ إلى صراخهِ جيداً حين سألني «متىٰ تعودُ المنارة؟!»، في المرَّة الثانية كان الصوتُ مُنكسراً هافتاً، أو رُبّما شغلني أنينُ المنارةِ في حنجرتهِ، متىٰ نكون؟ وإلىٰ متىٰ يبكي البَحرُ مُنتحراً على أجسادِ شبابنا المُهاجرة إلى اليونان وأوروبا؟ 


أمواجٌ من الأسئلة بدأت تتلاطم في تلافيفِ عقلي، يَربطها سؤالُ "الكَيـف"، لم أكن أعرف أنَّ هذه الشُّرفة الأليفة لها أسنان شرسة، ومعدة ضخمة تبتلعُ البحر والسماء، وتجعلُ روحي عارية تماماً دونَ حدود أرضيّة وخرائط جُغرافيّة صنعتها "سايكس بيكو"...  تلكَ الأكذوبة الّتي نعيشها ومازالتْ تتكاثر، وتُقَسِّمُ المُتَقَسِّم، وتشطرُ المبتور إلى نصفين.


 ليسَ مُحالاً أن يتوقفَ هذا التيه، لقد تعلَّم الغربُ من دماء الحروب العالميّة، وهناك دائماً أمـلٌ يُولد من رحمِ الألم.

هَـلْ سنـظلُّ نُقتِّـلُ أنفسنا، وكأنَّنا نايٌ حزيـنٌ يُقتِّـلُ لحنَـه، يُقطِّعُ ثُقوبَ جسدهِ عُقْلةً عُقْلة، متـىٰ يفقهُ الطيـنُ فيـنا سِـرَّ الماء؟


ماذا لو وحَّدْنا البـَحر وأسقطنا الأسماء؟


#آيات_عبد_المنعم 

بيـروت..

23 /  محـرم / 1445.

10 /  يوليـو / 2023.




Share To: