عن بقايا جيل التسعينيات للكاتبة المصرية بريهان أحمد 

تكتب منال الدكروري


عن بقايا جيل التسعينيات للكاتبة المصرية بريهان أحمد



..

تلك المجموعة القصصية التي لمست شغاف قلبي؛لكونها لا تبتعد أبدًا عن أحداث عشتُها في مرحلة مراهقتي ، لأنني من مواليد منتصف الثمانينيات؛لذا كنتُ أقرأ فتستدعي ذاكرتي شتى المشاهد القديمة ، كأنها لم تمر عليها سنوات طويلة حتى أثر كل حدث عليَّ فشعرت بسخونة ماء عيني تنساب بلا شعور مني ؛ لِمَا زاحم ذاكرتي من أحداث أخرى غير التي ذكرتها الكاتبة في مجموعتها القصصية ، لقد ضربت الكاتبة بريهان أحمد علي أوتار الماضي برمته ، خاصة الأحداث المؤلمة التي كانت تعرض لنا عبر الشاشات حتى تركت أثرها في مختلف الأجيال،كأنها خططا محكمة كى نعتاد الدم ، والقتل ، والحروب ، والخوف..

تبدأ الكاتبة مجموعتها بقصة " الليل مع فاطيمة " لقد شعرت بمعانأة سامر بوصفه كاتب يخشى موت الحب بالزواج ،كموت لذة الأشياء بعد الحصول عليها ، كما شعرت بمعانأة فاطيمة ومخاوفها المخفية بين سطور القصة ، كما استوقفتني كثيرًا فكرة اعترافها وهروبها المفاجيء الذي ربما قد خططت له ولم يأت صدفة أبدًا ، فالقصة عصرية تعبر عن معانأة طالت الكثير بلا شك ، وتركت الكثير من الضحايا في حالة هذيان منهم من توقفت حياتهم وثقتهم جراء قصص تشبة تلك القصة ، فقد كان اختفاء فاطيمة صدمة ليِّ كما كان صدمة للبطل دون شك ..

أما عن بقايا جيل التسعينيات ..

تلك القصة التي كانت بمثابة هزة القلق لمشاعر قديمة كنت أظن نارها قد خمدت ، لكن بمجرد تحريكها اشتعلت بداخلي ؛ فتسارعت ضربات قلبي ؛حيث رأيت بعض تفاصيل الماضي وبعض جراح طفولتنا التي كانت تعرض علينا عبر الشاشات ليلا نهارًا ،كأنها خطة محكمة كي نعتاد الدمار والظلم والجبن ، ذكريات أحيتها الكاتبة جعلت ذاكرتي تتقد حيث الماضي الذي مر بسرعة البرق دون أى تحذير مسبق .

وحينما وصلت إلي قصة جدار عازل ، حيث تقول الكاتبة :

" في محكمة الحياة المُذنب الأول والأخير الشخص المُضحي بحقوقه، الشخص غير المدرك

للفارق بين العطاء واستغلال الآخرين له.

أُهدي هذه القصة لكُلّ فتاة وامرأة وسيدة مكافحة تحملت تلك الحياة وقسوتها، لكُلّ امرأة

كادت أن تفقد الثقة في نفسها، لكنها في النهاية عادت، فكُوني قادرة على البداية من جديد .

فقصة الجدار العازل هي قصة العديد من النساء في مواجهة الخذلان والجحود والنكران ، بل والاستغلال أيضا ، حيث تناولتها الكاتبة من خلال تفاصيلها الموجعة والتي نراها في حياتنا كل يوم بأشكال وصور ومشاهد مختلفة ؛ لتوضح لنا أن العطاء والتضحية لأبد أن تكون بحدود، وأنه ليس علينا تكريس حياتنا قلبا وقالبا من أجل شخص واحد ، من الممكن أن ينقلب علينا في لحظة ويتركنا نصارع الوحدة معدومين الطاقة .

تقول الكاتبة": عليها في تلك اللحظة أن تدرك أن للتضحية ضمانات، على الأقل تُدرك لمن تعطي ولمن تُضحي، لأجل من تموت، ولأجل من تحيا، فالخطأ الحقيقي الذي نقترفه بسذاجتنا

عندما نبدأ طريقًا مع رفيق دون اقتناع كامل منّا "

أمّا عن ابن الأكرمين وألزهايمر

لتلك القصة بعض اللمحات التي مستني من حيث كونها واقعًا ملموسًا، يمر به أغلبنا مع أقرب الأقربين إليه فضغطت على ذاكرتي حيث زر العودة ،فقد جعلني استرجع بعض ذكرياتي مع ضحايا مرض ألزهايمر وفقدان بعض الأحبة معه ، أفكار لا تبتعد أبدًا عن ذهني التي تشغلني وتستفزني بين سطوري ، فما أجمل أن تجد كاتبك المفضل يعبر عن مكنونات روحك ومخاوفها ، كأن الكاتبة تترجم مشاعري بين سطورها بكل وضوح وشفافية .


إضافة لهذه القصص قصة مقام كفر الشيخة سلمى ،هي قصة ريفية قلبا وقالبا ، وهذا لاينفي انتشار مثل الثقافة في المدن رسمت فيها الكاتبة ملامح الجهل ، والضعف ، والدجل في عين طفلة واعية ذات نظرة ثاقبة ، تنقد الأفكار البالية ، وتسجل بعمق ذاكرتها أحداثا يتم إثبات صحتها فيما بعد لتتضح الصورة .


أما عن قصة حبال دايبة ..( الله محبة ) فقد ذكرت الكاتبة عن حالة من حالات الحب المستحيل ، والتي جعلتني في البداية أتساءل وأقرأ بسرعة حتي أعرف كيف ستخرج الكاتبة بحل لهذه القصة المعقدة ، إلا إنها استطاعت بفطنة الكاتب أن تتجنب الدخول في تفاصيل كثيرة ، وأن تضع حلا ربما هو مرضيا للعقل بينما يترك هناك ندبة في روح القاريء،حيث استحالة الأمل في مثل هذه القصص .

"قصة الشرائط التسجيلية " يوما ما عام 1989 م :

فهي مليئة بالغموض والتحليلات فيما بين السطور لدرجة أنني تمنيت لو عرفت المزيد وأن تطول الأحداث لبطلها شهاب الذي يبدو أنه كان يعاني من شيء غير مفهوم لذويه ؛ مما جعل العواقب وخيمة حيث فشل الأب في فهم معانأة ابنه حتي ذهب به ذلك إلي الإنتحار ليتخلص من وطأة الإضطرابات النفسية ، ومشاعر الظلم والغضب .

نأسف لإنعدام الرؤية ..وهي القصة التاسعة والتي تستعرض حالة من حالات الإستغلال المقيتة تلك التي لا يتعرض لها الضرير فقط بل يتعرض لها الذين يرون بوضوح ، حينما يتعرضون للقبح علي أيدي النرجسيبن والوصوليين ، لقد شعرت بدموع قلب بطل القصة وسمعت أنين وجعه بين السطور، بل شاهدت واستشعرت نوبة انكساره في المشهد الأخير .

وأخيرًا تختم الكاتبة بقصة الفتاة المسحورة وهي القصة العاشرة والتي تدمن بطلتها الكتب بما يسمي بـ (ببللومنيا ) لتأخذنا بعيدًا حيث قصص الطفولة ؛ لتدوخنا ثم تنعشنا ببعض تفاصيل الحكايا القديمة التي لازالت تعيش بين طيات الذكري ،ثم تنفي بعد ذلك تفسير الحالة وتفسيرها بأنها مسحورة !

وأخيرًا يمكنني القول بأن الكاتبة ضربت علي أوتار الماضي برمته خاصة الأحداث المؤلمة التي كانت تعرض علينا عبر الشاشات حتي تركت أثرها في مختلف الأجيال،كأنها خططا محكمة كي نعتاد الدم والقتل ، والحروب ، والخوف ، اعتدنا علي مواجهتها بالدموع والدعاء وحرق الأعلام والاستماع إلي الأغاني الوطنية !!

***



Share To: