الكاهن | قصة قصيرة بقلم الكاتب المصري محمود بكر
"إن فضيلة الرجل هي أثره ولكن الرجل سيئ الذكر منسي"
من شاهد قبر مصري قديم
لن أنسى ذلك اليوم، الغيوم الرمادية تفرد أجنحتها في السماء كطائر أسطوري عملاق، الرعد يدوى كزئير ألف أسد جائع، العرق يغمر وجه أخي (بكاري) رغم برودة الطقس، جسده النحيل يرتجف، يهلوس بأشياء عن قدس الأقداس، عن الكاهن الأعظم.
يتمتم قائلا : احذره يا أخي أنه الشيطان نفسه، لابد من قتله قبل أن ينشر الظلم والرعب والجوع على أرضنا الطيبة.
أقول : أهدأ يا أخي أنت مريض، وتحتاج إلى الراحة
يقبض بشده على ذراعي: أنت لا تفهم إنه ليس بشريا ليس من هذا العالم
أنه الشر مجسدا إنك لم تر ما رأته عيناى وماذا يفعل فى ضحاياه أنه يسلخهم أحياء يتمتع بعذابهم وبصراخهم ضحاياه من الأسرى ومن العبيد والضعفاء
- ولماذا يفعل ما يفعل؟
- لأنه قاتل مجنون إنك لم تر عينيه المظلمتين كقاع بئر و....
يسعل أخي وينظر لي قائلا: لابد أن نوقفه بأي طريقة ممكنة
طرقات عنيفة على الباب، يتحطم الباب فجأة ويظهر جنود من حراس القصر، ينقضون على جسد أخي الهزيل، أحاول منعهم أتلقى ضربة من قائدهم تجعلني ارتطم بالحائط، وأسقط أرضا.
اصرخ قائلا: اتركوه إنه مريض
عيناه بلا بريق، يودعني بلا كلمة، حملوه كالذبيحة، ولم تمض أيام معدودات حتى نفذ فيه حكم بالإعدام بتهمة الخيانة والتآمر على قتل الملك.
مر عامان على موت أخي
اليوم سوف يتم تكريسي لأكون أحد الكهنة الأتقياء الذين يقومون بأعمال بسيطة مثل السقاية في المعبد والاهتمام بنظافته
بعد حلاقة شعر جسدي كله، وإزالة حواجبي، واقتلاع رموش عيني من منبتها، الأن أخلص من كل ما كان عالقا بي من مساوئ أخلع ملابسي، أتطهر بالماء البارد، يقول أحد الكهنة: لابد أن تكون طاهر الروح والجسد حتى يتسنى لك أن تكون في شرف المعبود في قدس الأقداس يريق الماء البارد بغزارة على جسدي ثم يعطيني قليلا من مذاب النطرون لأغسل به فمي، أرتدي ثيابا من الكتان فلا يجوز للكهنة أن يلبسوا ملابس مصنوعة من القطن لأنه نجس يقول الكاهن المسئول عن تعليمي: ليس لك أن تأكل الثوم او الكرات أو البصل لابد ان تكون رائحة فمك طيبة دائما، لا يخرج من فمك إلا الكلام الطيب الحسن
لم أر الكاهن الأعظم إلا مرة واحدة، لا يسمح لأحد بالاقتراب منه إلا إذا أمر. له رهبة شديدة في النفس، كم أبغضه ولكني سأنال منه يوما ما. أدعو الاله في صلواتي أن يأتي اليوم الذي أنتقم فيه لأخي...
"أنت أيها الينبوع العذب الذي يروي الظمأ في الصحراء.. ينبوع موصد لمن يتكلم .. مفتوح لمن يتزرع بالصمت
يا إلهي ساعدني لأقتل ذلك الشيطان القديم قدم الشر فأنا لم أغتصب طعاما ولم أنطق كذبا وقلبي لم يطمع فيما لا أملك
الكاهن الاعظم يطلب رؤيتك قالها أحد الكهان واختفى
انتفض أحاول ان أبدو متماسكا كل خطوة أخطوها ناحية غرفته تبدو دهرا أتذكر أخي بكاري وما فعله به أتحسس خنجري المعقوف بين طيات ملابسي أدخل غرفته أراه مهيبا طويلا كمسلة كان يعطيني ظهره بلا أي اهتمام هل أنقض عليه الأن أم أنتظر أخرجني من ترددي قائلا : ماذا تعرف عن الموت أيها الكاهن؟
أتلعثم قائلا: أنه انتقال إلى جانب الاله حياة أخرى
يقول بابتسامة شيطانية: استعد إذن للانتقال فقد حان وقتك عيناه تتحول لفجوتان للجحيم ملامح وجهه تتبدل لوجه شيطان مريد تبرز مخالبه أنه ليس بشريا كما قال أخي (بكاري) ينقض علي محاولا غرس أنيابه في عنقي أتفاداه لكنه يمزق صدري بمخالبه الحاده تندفع الدماء لتغرق صدري يبتسم ويتنسم الهواء قائلا ما أجمل رائحة الدماء! ابتلع ريقي بصعوبة يلطمني لطمة شديدة تدفعني لأرتطم بالباب وأسقط أرضا أمسك مقبض خنجري في قوة وفي تلك اللحظة الذي جثم فيها على صدري غرست الخنجر حتى مقبضه في صدره شهق شهقة طويلة وبدأ دخان أسود كثيف ذو رائحة خبيثة يخرج من فمه وعيناه ليسقط بعدها جسده ويتحلل فلا يبقى منه شيئا
وقفت على قدماى بصعوبة التقط انفاسي غير مصدق لما حدث
أعلنت في المعبد أن الكاهن الأعظم رفع إلى السماء بواسطة الإله وأنه أوصى لأكون له خليفة حتى يعود من رحلته وافق كل الكهنة على ذلك وأرسلوا للملك ليبدي موافقته فوافق وأصبحت أنا الكاهن الأعظم
الأمور كانت على ما يرام إلا أنني لم أعد أرى صورتي في المرآة.
***
Post A Comment: