فكشفنا عنك غطاءك | قصة قصيرة بقلم الكاتبة المصرية مروة أبو العلا
تململتُ في نومي كالعادة فقد اعتدتُ الأرق لعدة سنوات و بات لي صديقاً حميماً نلتقي دوماً عند مكاننا المفضل بالفراش . تدثرتُ بغطائي الثقيل جيداً كي أتحاشى البرودة القارصة التي قد تتسلل إلى مفاصلي الواهنة؛ فلا طاقة لي و لا تحمل للمزيد من الآلام. فلْتُقْبِلْ أيها الأرق اللعين؛ فلا ونيس لي سواك في أيام وحدتي الرتيبة. عجوز كئيب يقضي أيامه متشابهةً واحداً تلو الأخر بمنتهى الانضباط، و على نفس النهج و الروتين. انصرف عني الجميع حتى أبنائي، و اكتفى كل منهم بإرسال رسائل نصية باهتة الكلمات، فقيرة المشاعر. أعترف أني كنتُ السبب الرئيسي في قسوتهم تجاهي و نفورهم من صحبتي؛ فلم أكن يوماً أباً مثالياً و لم أقترب حتى من ذلك اللقب قدر أنملة. لكن لماذا كان الجميع يلومني على ما أنا عليه،و أجمعوا كلهم أنني شخص أناني بل مفرط الأنانية؟ أكان عيباً أني كنتُ أحب نفسي و أدللها كثيراً، بل و أفضلها على أيٍ كان ؟ ليست جريمة نكراء بالدرجة. بالتأكيد جميعهم أغبياء فليس لي يد في ذلك ولا حيلة. و لكن هل كان الثمن أن أعيش وحيداً بلا رفيقة أو ابن أو ابنة حانية تهون عليَّ شيخوختي ؟ نعم، أعترف أنه ثمن فادح مقابل ما فرطتُ فيه أيام شبابي و عنفواني و جبروتي. خدعتني نفسي الأمارة بالسوء وليس لشيطاني القرين يدٌ ولا ذنب فيما فعلت بنفسي. عشتُ دنيايَ طولاً و عرضاً غير آبهٍ لمن حولي و لمن هم دينٌ في رقبتي، و تقع مسؤوليتهم على كاهلي. ظلمتني أمي الحبيبة بزواجي؛ فأمثالي طيور جارحة لا عشٌ يكفيهم و لا جدرانٌ تؤويهم. خُلِقتُ للمرح و الانطلاق و الاستمتاع بحريتي بلا قيود، أو أسرة، أو أبناء و دنيا غريبة لم أرغب بها يوماً. لكن الثمن كان حقاً فادحاً ، فها أنا لا أجد من يحنو عليَّ سوى حارس العقار الذي أسكن فيه، و بشروط بالطبع ، و ليس طوال الوقت. حسنٌ، لا يهم فلطالما اعتدتُ أن أكون مؤنساً لنفسي ولم أحتج يوماً لمخلوق يُشعرني بالاهتمام. مهلاً، كفاني كبراً و عناداً. سأعترف أنني نادم على كل لحظة ضيعتها على ملذاتي و شهواتي. أندم باحتراق على كل حضنٍ دافيء لم أحظَ به من أبنائي. أندم على ضياع زوجتي العزيزة التي تحملت كينونتي السخيفة الكريهة. نعم أنا نادم على الماضي و هل ينفعني الندم؟ هل أمسكُ هاتفي المحمول و أحادث أبنائي أعتذر منهم عما بدر منى قبل فوات الأوان ؟ لا، لا لن أفعلها فلن أتحمل منهم صداً أو بروداً أو تجاهلاً. لا لا، كرامتي فوق كل اعتبار. لا يهم، سأنهض من فراشي و أحاول إسعاد نفسي بنفسي كما اعتدتُ. نعم هذه هي الروح المطلوبة فليذهب الجميع للجحيم و لأنعم أنا بما تبقى لي من أيام في الدنيا. و لكن مهلاً، لم لا أشعر بقدمي ؟ بل لا أشعر برجليَّ، هل أُصِبتُ بالشلل؟ ما هذا ؟ لا أستطيع تحريك حتى وجهي ولا حتى عيني. ما الذي يحدث لي ؟ من أنتم و من أين دخلتم؟ من أنتم أيها الكائنات المرعبة و ماذا تريدون مني؟ لا لا تقتربوا أكثر ، ابتعدوا ابتعدوا !!!! لم لا يخرج صوتي من محجري؟ لا أستطيع الصراخ ولا التنفس ولا الحركة!! ياللمصيبة أيكون ذلك هو الموت ؟ هل تلك الوحوش هي ملائكة العذاب أتت لتقبض روحي العاصية ؟ يبدو أنني أنا من سأذهب للجحيم. فلتمهلوني قليلاً أرجوكم فقط بضع دقائق أعلن توبتي عما اقترفت يداي على مدار السنين. أتوسل إليكم ، أتوسل إليكَ يا إلهى أمهلني و لو ثوانٍ. لا أريد الموت الآن فلستُ مستعداً على الإطلاق للقائك يا ربي. أريد أن يسامحنى كل من ظلمته قبل أن ألقاك، أريد رؤية أبنائي و أحفادي للمرة الأخيرة قبل أن تتلقفني ملائكة عذابك. لاااااااا ما هذا الألم المبرح؟ لا أستطيع حتى الصراخ أو النطق بالشهادة. ستصعد روحي السوداء إلى السماء فمهما دعوتُ و توسلتُ فلا مجيب. انغلقت أبواب الرحمة في وجهي بعد أن كانت متاحةً لي طوال عمري لكني و لكبريائي الخبيث لم أطأ أياً منها، و لم أحاول حتى الاقتراب. يا ويلي و يا عذابي ، لقد كنتُ في غفلة من هذا فانكشف عني غطائي فبصري اليوم حديد. عملي السيء هو لعنتي و قريني فلا خيار أمامي سوى الاستسلام. ها هي جثتي الباردة بدأت بالتعفن ،و لا أعتقد أن أحداً سيلاحظ غيابي كالمعتاد؛ فلطالما كان وجودي مثل عدمه.
Post A Comment: