واجبنا تجاه إخواننا فى غزة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


واجبنا تجاه إخواننا فى غزة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

واجبنا تجاه إخواننا فى غزة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 




إن وضع إخوتنا في فلسطين كلّها وفي غزة اليوم يملي علينا نحن المسلمين أينما كنا واجبات كثيرة، نذكر منها:


الواجب الأول: المساندة المالية:


 يجب على المسلمين جميعًا أفرادًا وجماعات ومنظمات وحكومات أن يكسروا الحصار عن أهل غزة خاصة وفلسطين عامة ماليًّا، ولقد جاء ذكر الجهاد بالمال مقدمًا على الجهاد بالنفس في القرآن الكريم في أكثر من موضع .


يقول تعالى: 


انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ


 [التوبة: 41]


وفلسطين وغزة أرض جهاد ومقاومة، وإخوتنا في حاجة ماسة لكل شيء، هم في حاجة للغذاء والكساء والدواء، وهم في حاجة لدعم المقاومين وتجهيزهم.


فعن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: 

مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا.


 رواه البخاري


والمسلم الحق لا يتردّد في البذل والعطاء في مواطن الجهاد والفداء.


هَا أَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم


 [محمد:38].


الواجب الثاني: المساندة الفعلية من خلال المواقف الصحيحة الجريئة: 


إذا كانت مروءة العرب قد دفعت مشركي بني هاشم وبني المطلب أن يقفوا في خندق واحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أثناء الحصار، ودخلوا معهم في هذه المقاطعة حتى كان يسمع أصوات غير المسلمين من النساء والأطفال والصبيان يتضاغون من الجوع، ألا نتعلم من هذه المساندة درسًا يوجهنا نحو الموقف الذي تمليه المروءة على العرب والمسلمين قاطبة تجاه أهلهم في فلسطين؟


هل نحب أن نكون لإخوتنا في غزة كما كان أبو طالب وبنو هاشم وبنو المطلب عمومًا لمحمد ومن معه من المسلمين، يجري علينا ما يجري على إخوتنا، ونعاني مما يعاني منه إخوتنا، ولا نخذلهم ولا نسلمهم لأعدائهم يفعلون بهم ما يشاؤون، أم نحب أن نكون كأبي لهب الذي حالف الظلمة ضد الحق وضد أهله ورحمه؟


إذا كان خمسة من مشركي قريش قد سعوا في نقض صحيفة مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإننا نتساءل بحرقة: ألا يوجد في الأمة المسلمة مثل هؤلاء الخمسة هشام بن عمرو، والمطعم بن عدي، وأبي البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وزهير بن أمية البختري؟


إن وقوفنا كالمتفرج على إخوتنا في غزة عاجزين عن القيام بأي شيء لَظلم شديد لهم، وما أشد ظلم الأهل والأحباب على النفوس.


إن ديننا الحنيف ينهانا عن خذلان إخوتنا المسلمين وظلمهم وتركهم لقمة سائغة أمام عدوهم مصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: 


الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


إن من المواقف التي يجب علينا القيام بها دعمًا لإخوتنا تلك المسيرات السلمية والتظاهرات الشعبية والمهرجانات الخطابية الداعمة لهم والمدافعة عن حقهم في المقاومة واسترداد ما سلب منهم، وهي ممارسات لا شك ترفع من معنويات إخوتنا في فلسطين وتزيد من همتهم، وما أحوجهم إلى رفع المعنويات وإعلاء الهمم، كما تضغط بشكل أو بآخر على النظام الدولي وعلى العدو للتخفيف من وطأته على أهلنا في الأرض التي بارك الله حولها.


الواجب الثالث: المقاطعة الاقتصادية للبضائع الصهيونية والأمريكية غير الضرورية:


 إن محاربة السلوك الاستهلاكي للمنتجات الصهيونية والأمريكية جهاد اقتصادي أفتى به عدد كبير من علماء الأمة، وذلك في كل ما له بديل وفي كل ما لا ضرورة في استهلاكه. 


وقد كان للمقاطعة الاقتصادية دورها الحاسم في طرد الاستعمار من جميع بلدان العالم الإسلاميّ وغيره خلال القرن الماضي.


الواجب الرابع: المساندة الإعلامية:


 إنها دعوة لذوي الأقلام الحرة والنفوس الأبية والحمية الإسلامية والغيرة العربية أن يعبّروا عن الرفض لهذا القهر والظلم الأمريكي الصهيوني لأمتنا عامة وإخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وغزة خاصة، نريد أن يكتب أصحاب الأقلام في الصحف، والشعراء والأدباء والقصاصون والرواة في دواوينهم، والمنشدون في أناشيدهم، والمسرحيون في عروضهم، والفنانون والرسامون في لوحاتهم .

 

لا بد لنا أن نشعر بكافة المسلمين من حولنا، ونهتم بأمورهم فقد روى الطبراني عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 


من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يُمسِ ويصبح ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم.


 يجب أن تنطلق حملة إعلامية تواجه هذا الكذب المفضوح الذي يظهر الصهاينة المعتدين بمظهر الضحية والفلسطينيين المظلومين بمظهر الجلاد.

 إن هذه المساندة الإعلامية ثغر من ثغور الجهاد صارت اليوم من ضرورات الواقع، مواجهة لهذا القصف الإعلامي الصهيوني الذي يزيف الحقائق ويثير الفتن ويدعو إلى الرذيلة.


الواجب الخامس: المساندة المعنوية:


 ولعل هذا النوع من المساندة يمثل الحد الأدنى الذي ليس وراءه حبة خردل من إيمان، وتتمثل في مضاعفتنا للصيام وإكثارنا من القيام، وأن نجأر بالدعاء إلى الملك العلام أن يكشف البلاء عن أهل غزة رمز العزة والإباء، ولعل دعاء المخلصين في مختلف بقاع الأرض لإخوانهم في فلسطين أن يكون أمضى من حجارتهم وبنادقهم وصواريخهم في أعدائهم من الصهاينة المعتدين.

ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام في معركة بدر وقد وعده ربه بالنصر يتوجه إلى الباري جل وعلا بالدعاء قائلاً: 


اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا.


كيف تكون مسلمًا تعيش آمنًا مطمئنًا ولا يشغلك حال مَن حولك؟

أين نحن من حديث النبي صلى الله عليه وسلم :‏ 


مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. 


رواه مسلم


وإنه لمن المهمّ أن تتحوّل هذه المساندة بكل أشكالها وبشتى صنوفها وأنواعها إلى سلوك فرد وأسرة ومجتمع، حتى يأذن رب الأرض والسموات بالفرج القريب رغم أنف الصهاينة وأعوانهم من المتخاذلين والمتخاذلات.


 

يجب علينا أن نعي حقيقة الوعي أننا في حاجة لإخوتنا في غزة وفلسطين مثل ما هم في حاجة إلينا أو أكثر، إنهم لا يدافعون عن أنفسهم وحقوقهم المشروعة فقط، إنهم يدافعون عن شرف الأمة الإسلامية جمعاء، إنهم بضعة ملايين يدافعون عن شرف مليار ونصف مليار مسلم ومسلمة، وإنهم وغيرهم من المجاهدين المقاومين في مواطن الجهاد الأخرى هم من يقف في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي في أرض الإسلام والمسلمين الساعي إلى استغلال خيرات الأمة واستنزافها وإبقاء الأمة متخلفة متأخرة مذلولة تابعة لا تملك من أمر نفسها شيئًا.


لقد كانت غزة الصخرة التي تقصم ظهر المشروع الاستيطاني الصهيوني في أرض الإسراء والمعراج أرض الأنبياء والرسالات، وتكون القاطرة التي تقود إلى فك الأسر عن الأقصى وتحرير فلسطين وتطهيرها من تدنيس الصهاينة المحتلين لها.


 إنه ليس يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولها، فلا بد في مواجهة هذا الصراع مع العدو الصهيوني الغاشم للأمة من العودة إلى الذات، إصلاحُ بنائها من الداخل، اعتصامُها بحبل الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقوفُ صفًّا واحدًا أمام العدو المتربِّص، والتفطّنُ للعدو من الصديق. 


وإن التفريط في الثوابت ودخول النقص على الأفراد والمجتمعات في عقيدتها وقيمها وأخلاقها وفضائلها سببٌ لحلول الهزائم في الأمم والانتكاسات في الشعوب والمجتمعات، فلن يُحرَّر الأقصى إلا بالقيام بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، ولن تُسترَدَّ المقدسات إلا برعاية العقيدة والشريعة في كل مناحي الحياة.


 إن كل الأحداث التي تجري لا تخرج عن نطاق قدر الله، وإن الصراع الدائرة رحاه اليوم على أرض الرباط فلسطين السليبة سيؤول بالضرورة إلى انتصار الحق وأهله واندحار الظلم وأشياعه، مصداقًا لقوله تعالى: 


وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ


[القصص: 5]


وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ


 [الشعراء: 277]


وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ


[المنافقون: 8]


اللهم أنصر إخواننا في غزه .


اللهم إجعلها بردآ وسلامآ كما جعلت النار بردآ وسلامآ على إبراهيم 


اللهم كن لآهل غزة عونآ ونصيرآ وبدل خوفهم أمنآ .




Share To: