منهج الشيخ العلامة " سليمان اللويهي " في كتاب (شرح تائية الألبيري) | بقلم دكتور: جمال فودة - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية - كاتب وناقد وأكاديمي مصري


منهج الشيخ العلامة " سليمان اللويهي " في كتاب (شرح تائية الألبيري) | بقلم دكتور: جمال فودة - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية - كاتب وناقد وأكاديمي مصري
منهج الشيخ العلامة " سليمان اللويهي " في كتاب (شرح تائية الألبيري) | بقلم دكتور: جمال فودة - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية - كاتب وناقد وأكاديمي مصري





بـدأ إدراك أهمية التشكيل اللغوي في الشعر يزداد وضوحاً مع نشأة علـم اللـغة ، واتـخاذ معـطياته ركـيزة أساسيـة لتـحليل بنية النص ، فالشـعر كامـن في القصـيدة ، وذلك مبدأ ينبغي أن يـكون أساسياً فالشاعرية كعلم اللغة موضوعها اللغة فقط ،الفارق بينهما أن موضوع الشعرية ليس اللغة على وجه العموم ، وإنما شكل خاص من أشكالها ، إذ لا تتحقق للقصيدة خصوصية الشعور إلا من خلال خصوصية التعبير، ذلك أن النص الشعري جزء من اللغة يخضع لقوانينها الوضعية، لكنه يتميز عنها بخصائص فريدة تدخله في حدود الإبداع الفني ، إذ ينبني من مفردات هي بمثابة الدوال على معان ٍ جزئية تكتسب دلالتها وبلاغتها حين تنتظم في علاقات تركيبية مع غيرها من عناصر العمل الأدبي .


وهذا ما لمسته في منهج الشيخ (سليمان اللويهي) في كتابه (شرح تائية الألبيري وإعرابها) إذ يهتم بالكيفية اللغوية التي يحقق بها العمل انسجامه وتماسكه في كليته الدلالية، حيث ينبع منهجه من النص الشعري نفسه، لا من مبادئ سابقة عليه، ويتعامل مع النص كبنية متكاملة لغوياً ودلالياً دون أن يغفل مقاييس التواصل الجمالي في الأداء الشعري.



فما كان الشيخ يبتعد عن الصياغة إلا بقدر ما يعود إليها كاشفاً عن ظواهرها الإبداعية وراصداً لمخصباتها الشعرية ، إذ يمثل النص الشعري في تداخل بنياته نمطاً متميزاً من الأداء اللغوي يتجاوز النسق المعياري فتتشكل دلالة النص ، وتتجسد بنيته الأدائية ، ومن ثم فإن الولوج إلى عالم النص يكون بالعكوف على تحليل البنية اللغوية ، وتتبع أنساقها والعمل على استكشافها واستكناه أدوارها من خلال خيوطها الممتدة في نسيج القصيدة الشعرية.


وإن كان شرح القصيدة لا يعنى توضيح الدلالة ، وإنما يهدف إلى خلق معادل مواز ٍ لها، حيث يتشكل الفضاء الشعري وتتشكل معه قراءات متعددة تتجاوز أحادية المعنى ، لذلك لا يكفي الوقوف عند الأنساق اللغوية في بنية النص الشعري دون النفـاذ إلــى مـا وراء هـذا النـظام اللـغـوي مـن دلالات وخصوصيات تسهم في استبطان رؤية الشاعر وكيفية إدراكه لواقعه مـن خلال مـا ينشئ من أبنية وعلاقات ، وإزاء تعدد مسـتويات النـص الشعري وعناصره ، ومـا يتسم به من تداخل عمـيق يـبدو الـدرس النقدي بحاجة إلى طرائـق متـعددة مستمدة من علوم وحقول معرفية مختلفة للإحاطة بطبيعة البناء الشعري ، فهو بحاجة إلى تحليل أسلوبي لدراسة مكونات الظاهرة اللغوية / الأدبية في مستوياتها المختلفة .

وقد أمتعنا الشيخ في كتابه عند تحليل القصيدة ، وفاجأنا بما لديه من معارف شتى ، وعلوم متنوعة ، وتمكن من أدوات صناعته ؛ حيث نجد الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وكذلك الأبيات الشعرية ، والأقوال المأثورة ...، كل ذلك يصوغه بأسلوب أدبي رائع لا يقل في جماله عن النص الأصلي .

إذ نلاحظ أن الشيخ عمد إلى توظيف كل ما يمكن من الأدوات والوسائل لرفع موانع الإدراك والفهم عن مضامين النص ومعانيه، كل وفق ما يقتضيه نوعه ومجاله؛ فالتحليل يطلب لغاية، وغايته رفع الغشاء عن فهم وإدراك رسالة النص، دون تحديدٍ للوسيلة، فإذا ما تحقق ذلك فعلا بصورته الكاملة، فإننا نكون قد حققنا غاية البيان والإفهام.

وفي هذا الكتاب تعامل الشيخ مع النص الشعري على أنه تشكيل فني لغوي في المقام الأول ، والكشف عن أبعاده يتم من خلال هذا التشكيل و في إطاره ، ولا يعنـى هـذا أنه غفل عن الجوانب الفكرية أو النفسية أو حتى السياسية والاجتماعية .. وغيرها، وإنما يصل إليها من خلال اهتمامه بالبناء الشعري وتحليله له، ومن ثم فإن الشيخ (اللويهي) لا يغفل العلاقة بين تراكيب البنية الشعرية وبين المستوى الدلالي، فالهياكل التركيبية والهياكل المعنوية وجهان لعملة واحدة هي الحالة الشعورية.

وعلى أساس من هذه المقدمات كان اختيار الشيخ " لتائية الألبيري "موضوعاً للدراسة لسببين مهمين:

أولهما: بكارة هذا المجال، ولا ترجع أهمية هذا البحث إلى كونه أول ما كتب في المادة الشعرية للشاعر بشكل متكامل فحسب، بل إن هذا العمل صدر في منهجه عن شعر الشاعر نفسه؛ فاكتسب فاعليته من خلال واقعية النص، واستمد حيويته من التفاعل المستمر بين اللفظ والمعنى.

والسبب الآخر: هو أن "الألبيري" شاعر مبدع مطبوع متمكن أجاد في الحكم والمواعظ، تميز شعره بسهولة اللفظ ووضوح المعنى، وترابط الأفكار وروعة الخيال، فلا يجد القارئ صعوبة في استيعاب مراميه وفهم معانيه، ومن اللافت للنظر في أسلوب (الألبيري) قدرته الفائقة على عرض أفكاره في لوحة فنية تصويرية متعددة الخطوط والألوان، الأمر الذي يؤكد على ما يملكه من خيال خصب وسمات فنية وأسلوبية متميزة.

رغم هذا كله لم يحظ الرجل باهتمام النقاد والدارسين، اللهم إلا في بعض المقالات المنشورة هنا أو هناك، وقد أشار الشيخ لسبب اختيار التائية كونها تشتمل على المواعظ والحكم والنصائح والدرر الثمينة في طلب العلم والجد في تحصيله.

هذه القصيدة التي لاقت القبول والاستحسان في القلوب والعقول، وحسب علمي أن التائية لم يتناولها أحد ـ قبل الشيخ ـ بالتحليل الوافي، اللهم إلا بعض التعليقات والإشارات هنا وهناك في صفحة أو صفحتين ، وأين ذلك من عمل الشيخ الذي وقف على القصيدة لكشف كل ما فيها من طاقات إبداعية وأبعاد دلالية جمالية؟!


مما سبق تبدو أهمية هذا الكتاب الذي يتخذ من التحليل الأدبي أساساً منهجياً في التعامل مع شعر " الألبيري " لمعرفة طرائق بنائه لغوياً، والوقوف على وسائط إنتاج دلالاته.

كما أشار الشيخ - في الموضوع والهدف والوسيلة؛ فموضوع التحليل هو النص، وهدفه رفع الغموض، ووسيلته اللغة. كما أنَّ هناك مصطلحًا يرتبط بالتحليل من جوانب عدة وهو مفهوم النقد، غيرَ أنَّ الكاتب لم يعرِّج بالحديث عليه ربما لكون هذا الأخير يدرس مناحي الإبداع الفني في النص والمرتبطة بجوانب أخرى وليس فقط اللغة، وهو ما قد لا يتفق مع دعوة الكاتب إلى الاقتصار على اللغة في التحليل.

لقد قدم الشيخ (اللويهي) قراءة تحليلية واعية مستفيداً من مناهج التحليل المختلفة، لسبر أغوار النص، والبحث في مضامينه، وقد أشار الشيخ إلى منهجه في تحليل القصيدة في مقدمة كتابه؛ حيث سعى " ليكون شرح القصيدة غير طويل ممل ولا موجز مخل " وإن كان لم يلتزم بهذا المنهج التزماً كلياً في تناوله لأبيات القصيدة؛ فمثلاً في الأبيات الثلاثة الأولى من القصيدة جاء تحليله وشرحه لها في خمس صفحات، ثم كان إعرابها في خمس صفحات أخرى!


وحسبي من عملي هذا أن يكون بناناً تشير إلى جهود الشيخ العلامة (سليمان اللويهي) في آفاقها الممتدة ومجالاتها المختلفة، فإن البنان لأقدر على الإشارة من الباع على الإحاطة، وأفضل من عجز المحيط طاقة المشير.

ولا يسعني ـ الآن ـ إلا أن أسدى آيات الشكر والعرفان لمن هو أحق بها وأهلها، إلى سعادة الشيخ ناصر بن راشد العبري، وأعضاء اللجنة الثقافية بنادي الرستاق على إتاحة الفرصة للمشاركة في هذا الملتقى وتشريفي بمنحي فرصة حضور هذه الندوة الثقافية المتميزة، فجزاكم الله خير الجزاء وبارك جهودكم ونفع بكم.

د/جمال فودة

عضو الاتحاد الدولي للغة العربية

كاتب وناقد وأكاديمي مصري







Share To: