أسباب النصر والتمكين | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 



أسباب النصر والتمكين | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



فى هذه الأوقات العصيبة نحن على يقين بأن النصر والتمكين آت لا محالة، ولكن النصر على الأعداء لا يحصل بمجرد التمني ورفع الشعارات بل للنصر أسباب ينبغي على المسلمين تحصيلها، وأسباب النصر منها ما يتعلق بعلاقة العبد بربه سبحانه وتعالى، ومنها ما يتعلق بإعداد القوة وآلة الحرب والجهاد.

أما ما يتعلق بعلاقة العبد بربه: فإن الله عز وجل قضى بالعزة والنصر والتأييد لأولياءه متى استقاموا على طاعته والعمل بشريعته، ومتى لم يقوموا بما أوجب عليهم ابتلاهم ليعودوا، وتأمل بين حال المسلمين في غزوة بدر إذ كانوا قلة أذلة طائعين يطلبون العون والمدد من الله تعالى فأعزهم بتأييده ونصره، وبين حالهم في غزوة أحد إذ كان منهم من يريد الدنيا، فقضى بأن يصابوا بما يتذكرون به فيتوبوا مما وقع منهم ولا يعودوا أبدًا.


وأما ما يتعلق بالأسباب المادية: فإن على الأمة أن تعد الإعداد المطلوب من القوة وآلة الحرب، دون الاعتقاد في تلك الأسباب، قال تعالى: 


وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ


ولابد أن نعلم أن إعداد القوة اللازمة للنصر على الأعداء مع أهميته إلا أن الأصل هو ضبط علاقة العبد بربه سبحانه والاستقامة على شرعه؛ فإن مجرد إعداد القوة وتحصيل أسبابها المادية لا يكفي لحصول النصر، بل قد يكون سببًا للهزيمة، وتأمل في مشهد غزوة حنين إذ توفرت الأسباب المادية.


 قال تعالى:


 {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}


وهاهي أمتنا اليوم مع كثرة عددها إلا إنها لا تزال مستضعفة، فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.


 رواه أبو داود 


نحن أمة مأمورة بإعداد ما نستطيع من قوة وأسباب، ولكننا لا ننتصر بعدة ولا عدد، وإنما نتوكل على الله تعالى، فنأخذ بالأسباب، ونطلب من الله تعالى العون والنصر فننصر بتوفيق الله تعالى وتأييده.

فلابد أن نعقل ذلك جيدًا، لأن الغاية هي تحقيق العبودية لله تعالى في سلم وفي حرب، في ضعف وفي تمكين، وليست الغاية مجرد النصر.

إن نصر الله متحقق, قريب, وكثير من الناس يتسألون: عن كيفية خدمة دين الله تعالى، وكيفية نصرة هذا الدين.

لا شك أن الله تعالى شرع أسبابًا يترتب عليها نصرة هذا الدين، والتي تتلخص في ثلاثة أصول: توحيد الله تعالى، واتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتزكية النفس، ومن فروع تلك الأصول:


1- اعتقاد العقيدة الصحيحة في الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والدعوة إليها، ونشرها بين الناس، فإن قاعدة النصر الأساسية في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وذلك بأن تنصروا توحيده وشريعته ودينه، والعقيدة الصحيحة هي أولى المهمات؛ فينبغي على الأمة أن تتعلم العقيدة الصحيحة وتعمل بها وتدعو إليها، قال تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وقال سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}.


2- طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإقامة شرع الله في الأرض، والحكم به، والتحاكم إليه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، وعَنِ عبدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.


3- إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]. 


4- الإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].




Share To: