لك أو عليك | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


لك أو عليك | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد


    يوجد بعض الناس في هذا العالم يعيشون على أنهم ضحايا لمؤامرة كونية، يظنون بأن مُتع الحياة ليست لجميع الأحياء، وأن هناك هدرًا لحياتهم على حساب ترف وسعادة أُناس آخرين.

    والحقيقية أن ذلك الظن وهم كبير وحجة واهية للتقاعس، فمن أنت حتى يجتمع العالم ليتآمر عليك! أولئك الضحايا الواهمون لم يخطر ببالهم أن الأمور أتفه من تلك التعقيدات بكثير، وأن هذه الحياة عبارة عن مسرح كبير وكافة البشر ممثلون، فمن الطبيعي أن يكون أحدنا بطل والآخر كومبارس، ويبقى الرَّك على التأثير! علمًا بأن ليست كل الأدوار في الحياة تناسب كل الناس، لكن ما يجعل منك ممثلًا ناجحًا، أن تحب دورك وتصدقه وتتقنه وتُحسن أداءه، فإن لم تتقبل دورك وتنسجم معه سيسوء أداءك ولن تستحق دورًا أرقى، فالترقي والتنقل بين أدوار ذاك العمل المسرحي الكبير مفتاحه جودة الأداء والرضا والقبول، فضلًا عن وجود مساحة داخلية من الاعتدال والاتزان بلا إفراط في التوقعات والنتائج أو تفريط، ولا تهتم لمساحة دورك ومكانتك لكن اجتهد لتترك أثر.

    ففي بعض الأحيان قد نشاهد عمل درامي نُعجب فيه بأداء شخصية ثانوية قد لا تلتقي مع البطل في مشهد اصلًا، لكنه يسحب البساط من الأبطال، ليفوز "الكومبارس" بالإعجاب والتصفيق، ومثلما حدوث ذلك وارد في العمل، فهو كذلك في مسرحية الحياة، قد تسميه حظ أو صدفة أو توفيق، لكن الأكيد أنه ليس عدلًا، لأن الحياة أساسًا ليست عادلة! فقط كُن أكيدًا بأن الأقدار ستبقى دائمًا منصفة. 


     للأسف كثيرون في زماننا هذا يفكرون بتلك العقلية، وزاد الأمر سوءًا مع الانتشار الكثيف للمنصات الإجتماعية التي تبرز جوانب من حياة أُناس وكأنما قد حيزت لهم الدنيا، فينخدع بذلك الوهم خِفاف العقول ظنًا منهم أن أولئك يعيشون في نعيم دائم وترف وسرور وسعادة لا تنتهي، هكذا تبدو تلك الحياة على الشاشات، لكن الحقيقة أن المنصات الاجتماعية لا تعكس حياة إنسان، وما تراه ليس إلا جوانب ومختارات، ثم من الذي أوهمك بأن حياة النجوم أو من تتمنى أن تكون حياته حياتك هو سعيد! وما تعريف السعادة بالنسبة لك، وهل ما يُسعد مزارع في قرية صغيرة جنوب غربي السودان هو نفسه ما يسعد به مؤلف وكاتب مسرحي بنييورك أو يفرح له مدير شركة بالخليج؟! السعادات يا عزيزي تختلف باختلاف البشر وتنوعهم وتباين اهتماماتهم وبيئاتهم، ما يُفرحك ليس بالضرورة أن يُسعد غيرك، فالأمر نسبي وغير قابل للقياس والتقييم. 


    وأخيرًا أقول لمن يريدون الخروج من حيواتهم ليعيشوا حياة آخرين: ليس كل ما توثقه الكاميرات من رفاه وراحة وحب دليل عافية، ولا كل ما تراه عينك حقيقي، العلاقات الإنسانية معقدة جدًا، والواقع ليس كالمواقع، فينبغي عليك أن تحتفي بتجارب حياتك العادية وتحدياتها، فأصلح نفسك ونظِف عدسات نظارتك ونقِ قلبك واملأه بالرضا والأمل لتبصر الخير الذي بين يديك والنِعم التي تحيط بك، ومع كل ذلك لا تنسى أن تطمح وتتطلع للأفضل دائمًا، وركز بورقتك واملأ سطورها بما يرضيك ويسعدك، ولا تشغل نفسك بأوراق غيرك فامتحاناتهم وتحدياتهم أشق وأعظم...





Share To: