مَضَتْ سَنَواتٌ مِنْ أَعْمَارِنَا | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 


مَضَتْ سَنَواتٌ مِنْ أَعْمَارِنَا | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

مَضَتْ سَنَواتٌ مِنْ أَعْمَارِنَا | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 





تَنْقَضِي آجَالَنَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، وَعَامًا بَعْدَ عَامٍ ، وَإِنَّ فِي انْقْضَائِهَا عِبْرَةً وَعِظَةً لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَجَلُ بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا ، فَتَبْدَأُ الْحَيَاةُ الْبَرْزَخِيَّةُ ، وَيَنْتَقِلَ الْإِنْسَانُ إِلَى أُوِّلِ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، أَلَا وَهُوَ الْقَبْرُ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، ثُمَّ الْبَعْثُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ .


لقد مَضَتْ سَنَواتٌ مِنْ أَعْمَارِنَا ، كُتِبَتْ فِيهَا صَحَائِفُنَا ، وَحَمَلَتْ بَيْنَ طَيَّاتِهَا مَا أَوْدَعْنَاهُ فِيهَا مِنْ عَمَلٍ :

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ 


وَمَهْمَا عِشْنَا يَا عِبَادَ اللهِ وَطَالَتْ بِنَا الْأَعْمَارُ فَنَحْنُ إِلَى زَوَالٍ وَانْتِقَالٍ فاتقوا الله وَاسْتَدْرِكُوا مَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِكُمْ ، فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ قَوْلَ رَبِّهِ:


 ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 


فَاغْتَنَمَ أَيَّامَ قُوَّتِكَ وَشَبَابِكَ ، وَأَسْرَعَ بِالتَّوْبِةِ وَالْإِنَابَةِ قَبْلَ طَيِّ كِتَابِكَ ، وَأَخَذَ نَصِيبًا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ يُثَقِّلُ بِهَا مِيزَانَكَ .


 أَيْنَ مَنْ رَحَلُوا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَإِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا، وَأَهْلِينَا وَذَوِينَا ، تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَرَحَلُوا إِلَى الْقُبُورِ ، فَتَأَمَّلُوا أَحْوَالَهُمْ ، وَاتِّعِظُوا بِمَاضِيهِمْ ، لَعَلَّ الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ تَلِينُ ، وَاغْتَنِمُوا حَيَاتَكُمْ فِي صَالِحِ الْأَعْمَالِ ، قَبْلَ أَنْ تَتَحَسَّرُوا وَيَقُولُ كُلُّ مِنَّا لِنَفْسِهِ ، يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ .


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :


أَخَذَ رَسُولُ الله بِمَنْكِبِي فَقَالَ :


كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.


وكان ابن عمر يقول :


إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ .


فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَقِفَ مَعَ نَفْسِهِ مُحَاسِبًا ، مَاذَا أَسْلَفْتُ فِي عَامِيَ الْمَاضِي ، هَلْ أَسَأْتُ أَمْ أَحْسَنْتُ ، هَلَ ظَلَمْتُ أَمْ عَدَلْتُ ، هَلْ وَقَعْتُ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ ، أَمْ حَرَصْتُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ وَأَنَابَ ، فَإِنَّمَا تُمْحَى السَّيِّئَةُ بِالْحَسَنَةِ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا.


حاسبوا أنفسكم في ختام عامكم وفي جميع أيامكم ، فإنها خزائنكم التي تحفظ لكم أعمالكم ، وعما قريب تفتح لكم فترون ما أودعتم فيها .

خطب أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال :


إِنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ إِلَى أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا يَمْضِي هَذَا الْأَجَلُ إِلَّا وَأَنْتُمْ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ فَافْعَلُوا.


 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:


أَيُّهَا النَّاسُ ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، وَتَأَهَّبُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ.

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ.


وقال الحسن البصري رحمه الله :


ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ وَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ.


 استدركوا ما بقي من أعماركم قبل أن تطوى صحائفكم ، واغتنموا حياتكم قبل أن تختم أعمالكم ، واستغلوا زمانكم قبل أن تنقضي آجالكم .


 عن ابن عباس  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :


اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ.


 أَلَمْ يَأْنِ لِأَهْلِ الْغَفْلَةِ أَنْ يُدْرِكُوا حَقِيقَةَ هَذِهِ الدَّارِ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَهَا عَنَاءٌ وَنَعِيمَهَا ابْتِلَاءٌ ، وَأَنْ جَدِيدَهَا يَبْلَى وَمُلْكَهَا يَفْنَى ، وَوُدّهَا يَنْقِطَعُ، وَخَيْرَهَا يُنْتَزَعُ ، الْمُتَعَلِّقُون بِهَا عَلَى وَجَلٍ إِمَّا فِي نِعَمٍ زَائِلَةٍ أَوْ بَلايَا نَازِلَةٍ أَو مَنَايَا قَاضِيَةٍ ، فَالْعُمْرُ قَصِيرٌ ، وَالْخَطَرُ الْمُحْدِقُ كَبِيرٌ ، وَالْمَرْءُ بَيْنَ مخافتين بين أجل قَدْ مَضَى لا يَدْرِي مَا اللهُ صَانِعٌ فِيهِ ، وبين وَأَجَل قَدْ بَقِيَ لا يَدْرِي مَا اللهُ قَاضٍ فِيهِ ، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.


فَأَحْسِنُوا يا عِبادَ اللهِ فِيما بَقِيَ مِنْ أَعْمارِكُمْ ، وَلَا تُحَقِّرُوا مِنَ المَعْروفِ شَيئًا ، فَقَدْ يَكونُ فِيهِ نَجاتُكُمْ .


قَالَ الفُضَيلُ بْنُ عِياضٍ لِرَجُلٍ كَمْ عمرك ،قَالَ سِتُّونَ سَنَةً ، قَالَ فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ يُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ ، فَقالَ الرَّجُلُ إِنَّا للهِ وإِنَّا إِليهِ رَاجعونَ .

 فَقالَ الفُضَيلُ أَتَعْرفُ تَفْسيرَها ، قال الرجل لا ، قال الفضيل تَقولُ أَنَا للهِ عَبْدٌ وَإِليهِ رَاجِعٌ ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ للهِ عَبْدٌ وَأَنَّهُ إِلَيهِ رَاجِعٌ ، فَليعْلَمْ أَنَّهُ مَوقُوفٌ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَوقُوفٌ ، فَلْيعْلَمْ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ ، فَليُعِدَّ للسُّؤَالِ جَوابًا .


فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا الحِيلَةُ ، قَالَ يَسِيرَةٌ ، قَالَ مَا هِيَ ، قَالَ تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ ، يُغْفَرْ لَكَ مَا مَضَى ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيما بَقِيَ ، أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِيَ .



Share To: