البر إلى الوالدين بالمعروف وليس بتطليق الزوجة !  | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


البر إلى الوالدين بالمعروف وليس بتطليق الزوجة !  | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة

البر إلى الوالدين بالمعروف وليس بتطليق الزوجة !  | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 






هل يجوز للزوج أن يطلق زوجته إذا أراد أبويه أو أحدهما ذلك ؟ 

------------------------------------------------------------

صورة المسألة : رجل متزوج طلب منه أبوه  أو أمه أو كلاهما تطليق زوجته بدون سبب شرعي ( كسوء العشرة ، أو النشوز ، أو خيانة الأمانة ألخ ) فهل يجوز للإبن في هذه الحالة تطليق زوجته نزولاً على رغبة والديه أو أحدهما أم لا ؟ 

والراجح من أقوال أهل العلم هو عدم وجوب طاعة الأبوين في تطليق الزوجة بلا سبب شرعي ، وهذا هو رأي جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب إثما لحرمة تطليق الزوجة بلا سبب كما قال السادة الحنابلة وذلك للآتي : 

1- قوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة 2 . وتطليق الزوجة بلاسبب طاعة لأبوين ليس من باب التعاون على البر ، بل هو من التعاون على الإثم والعدوان وظلم الزوجة وتقويض بنيان الأسرة وتشتيت شملها .

2- مارواه علي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" متفق عليه ، وهل تطليق الزوجة من المعروف الذي يتقرب به العبد إلى الله تعالى ؟ّ!

3- قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " ابن ماجه بإسناد صحيح ، وتطليق الزوجة بلا سبب من أعظم الضرر .

4- وقول النبي صلى الله عليه وسلم  "أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ". صححه الحاكم ، و رجح أبو حاتم إرساله . وهل من المنطق أن نبر الوالدين أو أحدهما بأمر يبغضه الله تعالى .

5- إن تطليق الزوجة نزولاً على رغبة الوالدين ، ليس من البر الذي يتقرب به العبد إلى الله تعالى ، أو ينتفع به الوالدان ، ولذا قال الحسن البصري حينما سُأل عن هذه المسألة فقال : " «لَيْسَ الطَّلَاقُ مِنْ بِرِّهَا فِي شَيْءٍ» ابن أبي شيبة .

6- بل زاد أهل العلم والفضل في منع ذلك بوصفهم من يطيع والديه في هذا الأمر بأنه في غاية الحمق وسفاهة العقل . 

وقد يعترض علينا قائل بقضيتين : 

الأولى : ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت تحتي امرأة كان عمر رضي الله عنه يكرهها فقال: طلقها فأبيت فأتى عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أَطِعْ أَبَاكَ "  أحمد بإسناد حسن ، والأمر هنا يفيد الوجوًب إذ لا صارف له عن هذا .

أقول : أولا : هذه القضية لا يصلح الاستناد إليها في تطليق الزوجة بلا سبب لمايلي : 

أ- أن الأب هنا عمر بن الخطاب الْمُحدَّث الْمُلْهَم ، الذي اغترف العلم من مشكاة النبوة وحاشاه أن يأمر عبد الله بمعصية إلا إذا كان عنده سبب وجيه دعاه إلى كراهة زوجة الابن والمطالبة بتطليقها ، ومعلوم أنهم في قصصهم غالباً لا يتكلمون عن الأسباب أدباً وستراً لخصوصية بيوت المسلمين .

2- أن هذه القضية حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل الوحي الإلهي ، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في طلبه ، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة ، فدل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على السبب الشرعي الذي دعى عمر رضي الله عنه إلى طلب التطليق . 

3- هذه قضية خاصة لا نأخذ منها حكما عاماً ؛ فأين أبوك من عمر بن الخطاب : قالها أحمد ابن حنبل رحمه الله حينما سأله رجل فقال: إنَّ أبي يأمرني أن أطلق امرأتي فقال: لا تطلقها قال أليس عمر رضي الله عنه أمر ابنه عبدالله رضي الله عنه أن يطلق امرأته قال حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه " 

القضية الثانية : عن ابن عباس رضي الله عنه قول الخليل عليه السلام لزوجة إسماعيل عليه السلام: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ... قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا" البخاري . 

نقول : إذا كنا أجزنا لعمر رضي الله عنه ذلك لمكانته وخصوصيته في التقوى والعلم وإقرار رسول الله له ، فمن باب أولى نبي الله إبراهيم عليه السلام ، فإذا كان لا يقاس على واقعة عمر مع ابنه ، فأولى  أن لا يقاس هنا مع أنبياء الله ورسله الذين يتكلمون في ظل الوحي الإلهي . والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: