احك يا شكيب  :  قصة "عمتي المتسولة :  أبغضتها ثم أحببتها " | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


احك يا شكيب  :  قصة "عمتي المتسولة :  أبغضتها ثم أحببتها " | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير

 

عمتي كانت سيدة خمسينية تقطن في حي شعبي تشغل غرفة فوق سطح  منزل، و كانت امرأة عازبة لم يسبق لها ان تزوجت ، و لا أحد يعرف سبب عزوفها عن الزواج ، كانت سيدة كتومة ، تلبس جلبابا و تضع نقابا على وجهها ، تخرج كل صباح و لا تعود لغرفتها إلا مساء، هي سيدة غير اجتماعية بطبعها ، إن صادفتها في الطريق إما أن تبدأك بالسلام أو إن بدأتها بالسلام ترد عليك التحية بأدب ، و الجميع يظنون أنها تشتغل مساعدة بالبيوت ، و لكن حقيقتها غير ذلك ، فكانت عندما تخرج بجلبابها و نقابها تحمل حقيبة فوق كتفها ، و تركب الحافلة و بعد أن تنزل منها  تمشي مسافة طويلة و بعدها تنظر حولها يمينا و شمالا  فعندما تجد المكان غير آهل بالمشاة تنزع جلبابها النظيف و تضع جلبابا آخر متسخا و تنزع نقابها النظيف و تضع آخر بلون أسود و تنزع حذاءها الانيق و تضع آخر مهترئا ، و تمشي  أمتارا و تختار مكانها المعتاد وتجلس في ركن في زاوية حي قرب سوق يومي فتأخذ مكانها و تضع صحنا أمامها ، مطأطأة رأسها و يمتد بها الوقت حتى بعد صلاة المغرب ، و بعدها تعود لغرفتها ، و قبل ان تصعد  تمر على الدكان فتشتري ما تحتاجه من مواد غدائية ، و هكذا دواليك ،  للأسف نحن أقاربها لم نكن نعلم عن تفاصيل حياتها شيء ؟ بل لما كانت تزورنا كانت تأتي في أحلى و أبهى لباسها محملة بفواكه و حلويات ، فكنا ننتظر مجيئها بشغف ، و كانت قليلة الكلام ، مما جعلني أكرهها لانني لم اكن اعرف سبب تكتمها و لا سبب انعزالها ، و مما زاد كرهي لها هو عدم مشاركتنا كل مناسبات الأعياد ،  و ذات مرة لم تعد تزورنا كما عهدناها تفعل من قبل ، فقررت أن أزورها فلما ذهبت وجدتها جد مريضة  مما اضطرني البقاء معها لأيام   اعتني بصحتها التي بدأت تتدهور ، مما جعلها تستأمنني على أسرارها فأخبرتني بأنها امرأة متسولة منذ سنين ذات العدد و أنها فشلت في الزواج من شاب وعدها به و تركها و سافر خارج الوطن و لم يعد يظهر له أثر ، فكانت صدمتها كبيرة ، مما اضطرها للاشتغال بالبيوت ، و لكن سوء المعاملة جعلها تنفر من هذا العمل الذي تضيع معه الكرامة ، فمما كان قد أثار انتباهها امرأة مسنة هجرها أولادها كانت تتسول قرب الحي الذي كانت تشتغل  فيه كمساعدة ، فقالت مع نفسها لم لا اجرب فلن اخسر شيئا ، و بالفعل مارست هذا الفعل الذي هو التسول ، فكانت النتيجة هو جني أموال بدون جهد و الكرامة فيه محفوظة ، و مما أسرّته لي أن هدية   تنتظرني أجدها في غرفتها بعد موتها ، فلم أعر كلامها اهتماما ، و ماتت بعد أسابيع ، و بعد دفنها قررت البقاء في غرفتها و السكن بها لان غرفتها كانت توجد قرب مكان عملي ، فلما عدت ذات ليلة من العمل فكرت فيما قالته لي عن الهدية ، فبحثت في كل جنبات الغرفة و لم اجد شيئا ، و لكن المفاجأة كانت يوم قررت  تنظيف الغرفة ، فلما أردت ان أخرج السرير قرب باب الغرفة  في يوم مشمس ، و أنا أرفعه أثار انتباهي ثقب صغير فلما اقتربت منه وجدت أوراقا مالية فلما ادخلت يدي وجدت أوراقا مالية أخرى كثيرة مما جعلني افتح السرير كاملا فكان المبلغ خياليا ثلاثمائة ألف درهم ، احتفظت بها لنفسي ، كما وجدت دفتر توفير مفتوح لدى مكتب البريد به نفس المبلغ ، وحتى لا أثير انتباه اخوتي  سلمته لهم  ، و انجزنا عقد اراثة و اقتسمنا المبلغ بيننا وفق ما شرعه الله لنا ، و منذ ذلك الوقت أصبحت أمتهن مهنتها بنفس الأسلوب الذي كانت تفعله و لم أعد افكر في الزواج و أصبحت حياتي مثلها أعيش في عزلة لا يجمعني مع الناس سوى سلام أو رد سلام ، هكذا عاشت عمتي كنت أبغضها و بعد الذي وجدت صرت أحبها و أصبحت حياتي مثل حياتها . 

هنا تكون حكايتنا قد انتهت 

ذ. شكيب مصبير




Share To: