التمكين وثمرات العبادة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
التمكين وثمرات العبادة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف |
لقد أمر الله تعالى بعبادته وحده، في كل أحوالهم، فلا يشترط للعبادة التمكين أو الاستضعاف بل يعبد الله في كل حال، وإلا فالتمكين من جهة هو وسيلة للعبادة وليس غاية لها كما قال تعالى:
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
[الحج: 41]
ومن جهة أخرى هو ثمرة من ثمرات العبادة، قال تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
[النور: 55]
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} أَيْ: لَيَجْعَلَنَّهُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، الَّذِينَ لَهُمُ السَّيْطَرَةُ فِيهَا، وَنُفُوذُ الْكَلِمَةِ، وَالْآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعِلْمِ الصَّالِحِ سَبَبٌ لِلْقُوَّةِ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} الْآيَةَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
{كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: كَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنَ الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةِ لِذَلِكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} الْآيَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} اللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ، وَأَقْسَمَ فِي وَعْدِهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}
هَذَا الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لَهُمْ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ}
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَمْكِينُهُ هُوَ تَثْبِيتُهُ وَتَوْطِيدُهُ.
أضواء البيان
إن من الإيمان والعمل الصالح التمكين والاستخلاف في الأرض، والتمكين وسيلة لعبادة الله تعالى كما قال سبحانه:
{يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
هذا وإن ثمرات العبادة كثيرة جدًا، يدخل فيها كل ما ورد فضله في الكتاب والسنة، فتأمل هذا الكم من الفضائل، مثل فضائل الإيمان والتوحيد، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والبر، والإحسان، والصلة، وحسن الخلق، وقراءة القرآن، والأذكار، والدعاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من العبادات.
Post A Comment: