البئر... The Well | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة 

البئر... The Well | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
البئر... The Well | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة 



أذكر يوما أنى القيت برسالة فى نهر، فما تحققت أمنيتى وما عادت رسالتى. ولا أملك سوى الصبر الجميل، يذكرنا هذا بأن التوفيق كله والأمر كله بيد مدبر عليم. أذكروا معى ناقة صالح، نار إبراهيم ، عصا موسى وإسماعيل الذبيح وحوت يونس وسفينة نوح وبئر يوسف. فماذا يخطر ببالك حين أتحدث عن البئر؟ لم يكن البئر بالنسبة لى مجرد مصدر للماء والبحث عن المعادن والكنوز، لكنه موطن ومسكن لاحتواء نيران بركان بصدورنا اسمه السر. فلا نهدأ حتى نقتسم سرنا مع حبيب مخلص. فنقصص عليه ما يزعجنا ونخاف منه. ولنا فى قصة نبى الله يوسف الصديق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام خير عبرة .

فى هذه القصة يلعب البئر دورا رائدا كونه مأمن ومسكن لطفل لا حول له ولا قوة، وكان البئر خير شاهد عل قصة غدر وغيرة، خير شاهد على إعداد نبى المستقبل وعزيز مصر، خير شاهد على رأفة التاجر الغريب بالصبى المسكين رغم أن محنته سببها إخوته. 

*البئر*...أليس من العجيب أن يكون الخير لنا فيما نخشاه! فتلك حكمة الله من بئر مظلم إلى قصور ومعالم ومعابد مصر وحضارتها أصبح يوسف. قال ابن القيم رحمه الله إن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرةُ من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب؛ فإن الله يعلمُ منها ما لا يعلمهُ العبدُ

ودفن أخوة يوسف سرهم وشرهم فى بئر، وهذا حال البشر حين يكون هناك ما يخجلهم. والبئر ليس مجرد حفر وبناء ملموس، إنما البئر هو كل صديق مخلص ووفى، نذهب له ونلقى بهمومنا على أعتابه، فنحكى له بعشوائية ودون ترتيب.
البئر هى الزوجة الصالحة والزوج المخلص الذى لا ينشر أسرار بيته. يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:" إن من اشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتغضى اليه ثم ينشر سرها"
البئر هو زميل عمل يستر عيوبك أو أبنة محترمة أو أبن بار ، يكن لك عونا وسندا ولا يرهقك بطلبات تعجز عنها كاب. 
ربما تظن الصمت خير علاج حتى لا يفشى أحدهم سرك، لكن الله جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتواصل. . فكن كالبئر تهب عليه العواصف وعمله فى منتهى السكون. تخير من تعيش بينهم. كن كالبئر لا احد يدرك أسرارك الا من يؤتمن. كن السماء لا تتوقف عن امالك ، كن إنسان لا أحد يستطيع كسرك.
يقول الأبشيهى فى( المستطرف ١/٢٩٦):" أعلم أن أمناء الأسرار أقل وجودا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال ايسر من كتمان الأسرار ، لأن أحراز الأموال متبعة بالأبواب والأقفال واحراز الاسرار بارزة يذيعها لسان ناطق ويشيعها كلام سابق، وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال".
ومن عجائب الأمور أن الأموال كلما كثرت خزانها كان أوثق لها، أما الأسرار كلما كثرت خزانها كان أضيع لها. أننا في زمن قلّ فيه الناصحون وقلّ من يقبلون النصيحة ..قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه:" لا خير في قومٍ ليسوا بناصحين، ولا خير في قومٍ لا يحبون النّصح"*

وختاما أذكر قصة ابراهيم الخليل وزوجته هاجر🪷🌿
*🍃إذا تعلقت بالله هذا التعلق لن يضيعك أبدا ..*
✍🏼قال ابن كثير : 
🍃فلما تركهما هناك وولَّى عنهما ،
🍃 قامت إليه هاجر و تعلقت بثيابه و قالت : 
🍃يا إبراهيم أين تذهب و تدعنا هاهنا ، و ليس معنا ما يكفينا؟
🍃 فلم يجبها ، فلما ألَّحت عليه وهو لا يجيبها ، 
🍃قالت له : آلله أمرك بهذا؟
🍃 قال : نعم ، قالت : فإذن لا يضيعنا .
سبحانك ربى ما أعظمك.




Share To: