أصابع من طحين: الأب | بقلم الشاعرة والكاتبة السورية / فاطمة يوسف حسين


أصابع من طحين: الأب | بقلم الشاعرة والكاتبة السورية / فاطمة يوسف حسين
أصابع من طحين: الأب | بقلم الشاعرة والكاتبة السورية / فاطمة يوسف حسين 

 


خبز خبز خبز.. 

ينادي البائع في السّادسة صباحاً "خبز.. خبز"، تسمع صوت الجارات يتداخل مع أصوات أطفال الحي، وأصوات الرّجال الذين لم تلدغهم الشّمس وهم يتعاركون حول الوقوف في محطّة الشّارع، بينما يغطينا والدي بقلبه حتّى لا نبرد، ويذهب لعمله بعد أن يكون قد خبزَ لنا القهوة بطحين أصابعه! 


باربي شقراء، باربي باربي..! 

كانت سُكينة ابنة الجيران تبكي متى ما رأتني وأخوتي نمازح اللعبة. كان والدي يهمس في أذني: أعطها لسكينة، وغداً تشترين لعبة جديدة. كنّا نفعل، وكانت سكينة تعود للبكاء، ليعود والدي ويهمس في أذني: أعطها لسكينة. 

يأتي الليل من دون لعبة تعانقني وتربت على كتفي، أنام في حضن والدي، وهو يصنع من شعري جديلتين، وبعدها يأتي بمرآة صغيرة مدورة تملك أذنا وفما، لتصحب وجهي؛ مرددا: باربي حمراء.. جميلة أليس كذلك؟

كانت سكينة صباح كلّ يوم تسخر مني، وتلاحقني متفاخرة: 

لدي ألعاب كثيرة في حجرتي، أمّا أنت فحجرتك فارغة! وكنت أبداً لا أهتم؛ كوني أعرف أنّ سكينة كما جميعهم، لا تعرف  أنّي باربي أبي!


دواء... 

كانت أمّي تعاني من أمراض عدّة، السّكر والكوليسترول والضّغط، كان أبي ينزع من محفظته متى ما استطاع ألف ليرة، يضعها في جرّة من فخّار، وكلّما حان موعد شراء الدّواء يكسر الجرّة. يخرج المنزل ويداه عاريتان، يعود وفي إحداهما دواء، وفي الأخرى وردة. ويقول لأمّي: هذه لكِ طفلتي..!

فتنشرح أمّي، وترى في كيس الدّواء وردة أخرى! 


مرض أبي ذات يوم، بحثنا عن أصابع من طحين.. لم نجد!

بكت سكينة مراراً وتكراراً من دون نتيجة..! 

وانتظرت أمّي طويلاً أن يقول أبي: "هذه لك طفلتي.."

ولمّا تأخّر بالمجيء، شاخت جدران البيت، ونبتت في حديقة قلبها التّجاعيد. تحوّل الخارج لمدفأة.. ونحن لحطب!




Share To: