دعوى الصداقة بين الذكور والإناث وحديث المشاعر | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة


 

دعوى الصداقة بين الذكور والإناث وحديث المشاعر | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
دعوى الصداقة بين الذكور والإناث وحديث المشاعر | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 

إن من أعظم العلاقات الاجتماعية التي أولاها الإسلام مزيدا من الاهتمام هو موضوع الصداقة ، وبين لنا آداب هذه العلاقة في صورتها المقبولة شرعاُ وعُرفا وهي الصداقة بين الرجال بعضهم ببعض ، وكذلك النساء بعضهن ببعض  ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كُنْتُ ألْعَبُ بالبَنَاتِ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي" البخاري ،  وأرشدنا إلى أن مثل الصديق الصالح والصديق السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن تشم منه رائحة طيبة أو تشتري منه ، ونافخ الكير إما أن يلسعك بناره أو تشم منه رائحة خبيثة ، " متفق عليه " ، وهذا دليل على أن الصديق له أثر بالغ على صديقه إيجابا أو سلبا ،  لذا كان مما أرشد إليه الإسلام حُسن اختيار الصديق الذي يُعين على أمور الدنيا والدين ، ومن أعظم صور الصداقة التي نعرفها في شريعتنا هي صداقة رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد كان نعم الصاحب ونعم الصديق ، وكذلك عمر الفاروق وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين ، وغيرهم من رجال الأمة الذين سطروا لنا أعظم المعاني في هذا الجانب ، وعلى صعيد النساء ، فقد كان رسولنا الأكرم صل الله عليه وسلم يُكرم أصدقاء السيدة خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها ، ويعلل ذلك أنها كانت صديقة خديجة ، أو كانت تأتيهم أيام خديجة ، فقد جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ . صحيح  ، تلك هي العلاقة الاجتماعية التي تربط الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، أما عن علاقة أحد الجنسين بالأخر تحت مسمى الصداقة سواء كان في مدرسة أو جامعة أو نادي أو عمل ، أو أي درب من دروب الحياة ، وما تفرضه هذه العلاقة من التواصل المباشر والغير مباشر ، والحديث في الخصوصيات ، بل قد يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك مثل المزاح بصورة تتنافى مع حياء البنت ، بل قد يرتبط الولد مع البنت بعلاقة عاطفية مُعلنة كانت أو سرية ، وناهيك عما هو متوقع في مثل هذه الأحوال خاصة بين طلاب المدارس والجامعات ، والناظر في أدلة الشرع وقواعده ومصالحة القاضية بسد ذرائع الفساد يجد أنها تمنع مثل هذه العلاقات ؛ لأنها بداية لما هو أخطر منها ، وقد تُغرق المجتمع في التحلل والانفلات .

1- قال تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة 2 ،  فالآية الكريمة ترشد المسلمين إلى التعاون في الخير الذي يجلب المصالح للفرد والمجتمع ولا يترتب عليه ضرر، فهل صداقة الأولاد والبنات تعاون يتوافر فيه هذه المعاني ، بكل تأكيد لا ، بل قد تنتهي هذه الصداقة بجريمة عرض أو جريمة قتل ، وما جرائم القتل بين أصدقاء الدراسة ببعيد  .

2- قوله تعالى : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور 30. فالله تعالى لم يحرم نظر أحد الجنسين إلى الآخر عند أمن الفتنة ، وخاصة عند القيام بمصالح الحياة كالبيع والشراء والتعليم والتطبيب وغير ذلك مما يستحيل التحرز منه بحكم حركة الحياة ، ومنع النظر إذا كان مدخلا إلى الفساد بتحريك كوامن النفس الإنسانية ، أو مخاطباً للغريزة الجنسية ، وفي صداقة الأولاد للبنات وارتباط بعضهم بعلاقة عاطفية لا يخلو من هذه المفاسد ، وقد ينتهي بورقة عُرفية تسقط فيها معاني الأخلاق والفضيلة ، وتجر العار إلى الأسرة ، وينتهي فيها مستقبل البنت قبل الولد ، بل قد تنتهي بجريمة قتل كما هو مشاهد على أرض الواقع .  

3- معلوم أن صداقة البنت للولد يجلب عليها القيل والقال ، ويضر بسمعتها ، وسمعة أهلها ، فمن هن من تقع في هذه العلاقة بهدف البحث عن عريس ، ولكن هيهات ، فالرجل لا يتزوج من بنت استطاعت استغفال أوليائها ، وارتبطت معه بعلاقة صداقة أو حب ، ومنهن من تفعل ذلك على سبيل التسلية ، ولا تدعي بعضهن أو بعضهم أنه يُساعدها في المذاكرة أو يجلب لها المحاضرات !؟ فهذا عُذر أقبح من ذنب ، وهل انعدمت بنات جنسها لتتعاون معهن؟.

4- خروج الأولاد مع البنات في رحلات مشتركة يختلط فيها الحابل بالنابل ، وتُكسر فيها حُجب الحياء ، أمر مرفوض شرعاً وعرفاً ، واللوم الأكبر يقع على كاهل الأسرة التي تسمح بهذا الذي كنا لا نشاهده ولا نسمع به إلا عبر الأفلام والمسلسلات التي يجتهد المخرج والمؤلف وفريق العمل لترسيخ ثقافة جديدة في المجتمع تنسخ صبغته الأخلاقية وتقاليده الدينية والمجتمعية والتشبه بأمم فقدت ضوابط التعامل بين الجنسين بدعوى المدنية والتحضر ، فظهرت فيهم الأمراض المجتمعية التي يصعب علاجها إلا باتباع منهج الله تعالى في خلقه .

5- دعوى علم بعض الأسر بهذه الصداقة التي تربط بين البنت والولد لا يُعد سببا للجواز ، بل تقليد أعمى للغرب الذي نجد فيه أن الرجل لا يُحرك ساكنا بوجود علاقة لابنته برجل ، بل قد يدفعها إلى ذلك ، وقد تعلمها أمها كيفية اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الحمل ؟ّ! والله المستعان  ، فهذا الأب لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى صلوات ربي وسلامه عليه  حيث قال : " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمترجلة، والديوث" . رواه أحمد بإسناد صحيح .

6- يقول صل الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسؤوا عن رعيته ، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها " متفق عليه " ، ومتطلبات هذه الرعاية تستوجب على الأباء والأمهات حُسن تربية البنين والبنات على الآداب والأخلاق التي أرشد إليها الشرع والعرف المستقيم .

7- أما حديث لم أجد للمتحابين غير الزواج ، ليس فيه دليل على إباحة الصداقة والحب قبل الزواج ، ولكن أقصى مايدل عليه أن الله تعالى إذا قذف في قلب رجل القبول لمرأة وكذلك المرأة للرجل كان الزواج مرغب فيه لتوافر أسبابه ، لذا حينما كان أحد الصحابه يهم بخطبة امرأة يرشده رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم إلى ضرورة النظر إليها  . 

8- يجب على أهل العلم حينما يتوجه إليهم مشاكل للشباب من هذا القبيل الإجابة في نطاق تحقيق المصالح ودفع المفاسد ، وإذا كانت المسألة ليس فيها مصلحة تُذكر بل عين المفسدة ، أصبح واجباً على العالم أن يسد هذا الباب ، حتى لا يفتح في المجتمع ذرائع تجلب عليه الويلات ، فالضرر يُزال .

9- نبه الشارع الآباء والأمهات على الفصل بين البنين والبنات في النوم إذا مابلغوا عشر سنين ، ليسد ذرائع الفساد في الأسرة ، ويتربى الذكور والإناث في محضن ضوابط الشريعة التي تساهم في صحتهم النفسية والاجتماعية والدينية ، فهل يُعقل أن ينبهنا الشارع إلى الفصل بين أولادنا الذين تربطهم علاقة محرمية ، ويُبيح ذلك بين الأجانب في صورة رحلات وصداقات لا تخلوا غالبا من إطلاق النظر والتلامس والمزاح بل قد تمتد إلى ماهو أبعد من ذلك . 

10- هناك فرق بين التعريض بالزواج والتعبير للطرف الآخر عن الحب ، فالأول هدفه الزواج وقد أباحه الفقهاء في نطاق ضوابط شرعية ، كأن يقول الرجل للمرأة أسأل الله تعالى أن يرزقني زوجة في أخلاقك ، أو أنت إنسانة محترمة أو جميلة أسأل الله تعالى أن يرزقني مثلك ، وأما الثاني فليس له هدف إلا حديث المشاعر ومخاطبة الغرائز ، وكسر حاجز الحياء بين الأولاد والبنات الذي يبدأ بنظرة فابتسامه ، فموعد ، فلقاء ،  فعرفي فسقوط في هاوية الرزيلة 

والله تعالى أعلى وأعلم .



Share To: