احك يا شكيب :"الكاتب الروائي المزيف" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
شاب اوروبي في مقتبل العمر لم يتجاوز عمره الثلاثين متزوج من شابة في مثل سنه يقطنان في حي شعبي به فقراء ، يمتهن الكتابة له روايتان فاقترحت عليه زوجته عرضهما على ناشر معروف ، فبعد اطلاعه عليهما لم يقتنع بمحتواهما فاعتذر له بأدب ، و لما عاد للبيت سألته زوجته ماذا كان جواب الناشر ؟ فأجابها بأنه رفض الطلب لأن الروايتان ينقصهما الكثير و ليست من المحتويات التي يطلبها القارئ ، فبقي مكتئباً لا يبرح بيته و يفكر فيما يمكنه فعله لأداء واجب الكراء و الإنفاق على زوجته ، و لكن زوجته لم تيأس و كانت تطلب منه إعادة المحاولة مع ناشرين اخرين و البحث عن عمل مؤقت فتفرج مع الايام ، و لكن خيبته استمرّت لشهور ، و ذات يوم خرجت زوجته لسوق أسبوعي لشراء بعض ما يلزمها للبيت فسقطت عيناها على محفظة جلدية لونها أسود و لكن يبدو أنها كانت في غرفة مهملة فتغير لونها و أصابتها ندوب و خربشات أفقدتها لمعانها ، و رغم ذلك اشترتها لأن زوجها كان يحمل روايتيه في ملف عادي ، و لما عاد زوجها للبيت في المساء استقبلته بابتسامتها المعهودة و احتضنته كما تفعل كلما عاد للبيت و تحدثا طويلا عن مشواره طيلة اليوم فكان جوابه كالمعتاد لازال الحال كما كان من قبل ، و لإدخال الفرحة عليه و تخفيفا من آلامه و خيبته التي لم تزل ، أخبرته بهدية عبارة عن محفظة جلدية جلبتها له ففرح بها رغم أنها ليست جديدة ، فقبل أن يخلد للنوم عاد ليتصفح روايتيه يقلب أوراقهما لعله يعدل ما ينبغي تعديله ، و لما شعر بالعياء أخذ المحفظة ليضعهما بداخلها فلفت انتباهه وجود ملف فيه أوراقا ففتحه فإذا به يجد رواية عبارة عن سيرة ذاتية ، فعوض أن يلتحق بغرفة نومه بقي ساهرا إلى غاية أن أتم قراءتها مع بداية النهار الموالي، و في الصباح خرج كعادته حاملا معه محفظته و ذهب إلى حديقة و جلس فوق كرسي و أعاد إخراج الرواية و بدأ يتصفحها من جديد و يفكر ما عساه أن يفعل ؟ و اهتدى لفكرة و هي أن ينسبها لنفسه ، و لكن هذا يتطلب منه أن يأخذ وقتا ليوهم زوجته بأنه هو من كتبها ، و بالفعل بدأ في تنفيذ خطته ، فأول ما فعل هو أنه أخبر زوجته بمشروعه الجديد ، ففرحت و رحبت بالفكرة و عملت كل ما في وسعها لتهيئ له ظروف الاشتغال، فكانت تعد له الطعام و القهوة و تتركه في غرفته أمام آلته للكتابة فكانت تسمع طقطقاتها و هي فرحة ومبتهجة بالإلهام الذي حل علىه ، و بعد أيام أخبرها بأنه أنهى كتابة روايته ، فعرضها عليها و لما أتمت قراءتها شجعته للذهاب في اليوم الموالي باكرا ليعرضها على الناشر ، و في الصباح و بعد تناول وجبة فطوره الذي اعدته له ودعته داعية له بالتوفيق ، و ظنها هذه المرة فيه لن يخيب ، و لما التقى بالناشر سلم له الرواية فطلب منه الناشر الحضور بعد أسبوع ، و لكن الناشر لم ينتظر كل ذلك الوقت بل اتصل به بعد يوم و أخبره بأن يحضر لمكتبه على وجه السرعة ، فاستقبله استقبالا غير معهود مرحبا به و أثنى عليه و على المجهود الجبار الذي بذله و على الاسلوب الرائع و الحبكة العالية التي كتب بها روايته و وقعا معا عقدة بموجبها حددا المبلغ الذي سيحصل عليه و طريقة التوزيع ، و عقد ندوة بخصوص الرواية في أفخم قاعة للعروض بحضور شخصيات نافذة و أدباء و مفكرين و طلبة ، ففرحت زوجته بهذا النجاح و حضرت معه لحفل التوقيع على الرواية و التي واكبها الإعلام المرئي و المسموع و المكتوب ، فأصبح حديث الناس هو روايته المؤثرة ، بل ان الناشر طلب منه روايتيه قصد نشرهما و لم يعترض على مضمونهما كما فعل من قبل ، فاستغرب الكاتب و كتم كل ذلك في نفسه ، و لكن حصل ما لم يكن في الحسبان ، و هو ان الكاتب الحقيقي وقعت بين يديه مجلة تحكي عن الرواية التي كتبها من قبل و التي ضاعت منه في ظروف غامضة و عليها صورة للكاتب المزيف ، فقرر الذهاب لملاقاته عندما علم أنه سيكون ضيفا على برنامج ليحكي عن مضمون الرواية ، فلما انتهى من البرنامج و هو يمشي أثار انتباهه رجل مسن يتبعه اينما حل ، فخاطبه يا سيدي هل من خدمة أقدمها لك ؟ فقال له الرجل العجوز فلنجلس معا في مقهى قريب لدي مجموعة من الاسئلة أود طرحها عليك فوافق الكاتب المزيف ، فبدأ الرجل العجوز في طرح أسئلة بليدة على الكاتب و لكنه وقف عند أسئلة دقيقة عندما سأله عن سنه فأخبره بأن سنه ثلاثون عاما ، هنا بادره بما لم يكن يتوقع كيف تحدثت في سيرتك عن حدث و أخبره به و سنك لم يتجاوز العامين ، هنا صدم الكاتب المزيف و أصابه خرس ، و لم يمهله العجوز ليحدثه عن تفاصيل الحكاية و عن ضياعها لما حملتها زوجته معها في القطار و تركتها فوق رف من رفوف مقصورة ، فسأله الكاتب المزيف ، فما العمل الآن يا سيدي؟ فأجابه الرجل العجوز : ما وقع وقع و كنت نذلا بفعلتك و الآن أتركك لأنك إنسان سارق عديم الأخلاق فاقد للمروءة و كاتب مزيف و منتحل لصفة ، فأعاد الطلب يا سيدي: إن طلبت أن أصحح الخطأ فعلت، و اعتذر أمام الملأ بأنني أخطأت في حقك ، و إن طلبت عائدات الرواية من مال أعطيتك ؟ و لكن الرجل العجوز لم يمهله فانصرف إلى حال سبيله تاركا إياه في حيرته و تعذيب ضمير ، هنا صاحبنا بقي صامتا واضعا رأسه بين يديه متسائلا مع نفسه ما العمل ؟ فلم يعد مباشرة إلى بيته بل التحق بحانة و شرب حتى التمالة ، و عاد إلى بيته يتمايل ذات اليمين و ذات الشمال ، فاستقبلته زوجته و هي مندهشة من الحالة التي هو عليها ، فسألته عن السبب ؟ فأجابها بلسان متلعثم بأنه كان كاذبا، و أنه كان سارقا لعمل أدبي ليس له ، فصدمت هي الأخرى من فعلته ، و تركته لينام ، مخبرة إياه بما يجب أن يفعله صباحا ، و لكنه رغم انه كان في حالة سكر، و هو نائم كان عقله منشغل و ضميره يؤنبه ، و في الصباح ذهب عند الناشر ليخبره بالخبر الصاعقة كما اشارت عليه زوجته ، فصدم الناشر بما سمع فاحتار هو الاخر في الأمر ، و طلب من الكاتب المزيف أن يختفي هو و زوجته و أن يذهبا إلى بلد لا يعرفهما فيه أحد ، و قبل بالفكرة ، و لما عاد لبيته لم يجد زوجته بل وجد ورقة عبارة عن رسالة مفادها أنها هاجرت إلى بلد يستحيل ان يعثر عليها بسبب فعلته الشنعاء و خيانته النكراء ، في تلك اللحظات دخل في بكاء وضحك هستيري فقد معهما عقله فأصبح مدمن خمر ، و كلما التقى بشخص من المارة يحكي له الحكاية إلى وجد يوما أشلاء على سكة قطار
ذ شكيب مصبير
Post A Comment: