احك يا شكيب : " إني أرى بعينها و هي تراني بقلبها و عقلها" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
احك يا شكيب : " إني أرى بعينها و هي تراني بقلبها و عقلها" | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير |
شابتان التقيتا على غير ميعاد ، كل واحدة منهما تقطن بمدينة تبعد عن الأخرى بكيلومترات ، القاسم المشترك بينهما هو الدراسة في الجامعة ، و تشاء الأقدار أن تلتقيا في مدرج الجامعة ، و من حسن الحظ أنهما جلستا جنبا إلى جنب في مقدمة الصفوف ، و دار بينهما سلام و حديث حول صعوبة الدخول الجامعي و صعوبة الحصول على السكن و مشقة التنقل في مدينة اقتصادية عدد سكانها كبير ، تبدأ حركة السير فيها مبكرا بل لا تكاد تنقطع ليل نهار ، تخف وطأتها ليلا و لا تنعدم ، مع كثرة المتنقلين الشيء الذي يتطلب صبرا ، و في لحظة من اللحظات ناولت شيماء صديقتها خديجة ورقة و قلما فاكتشفت على الفور أن صديقتها الجديدة من ذوي الاحتياجات الخاصة "كفيفة "، و تداركت الأمر بأن وضعت الورقة و القلم في يدها ، و استمرتا في تجاذب أطراف الحديث ، و تواعدتا على ان تبرما عقد صداقة بينهما يكون شعارها التعاون و التضامن والوفاء ،
شيماء وجدت صعوبة في الحصول على سكن بالحي الجامعي ، مما جعلها تعاني مشقة التنقل يوميا لحضور الدروس ، بل كم من مرة كانت تأتي متأخرة بسبب تأخر الحافلة التي تقلها للجامعة، فاقترحت عليها صديقتها خديجة المكوث معها في بيت والديها و هي فرصة تستطيع معها ربح الوقت و مراجعة دروسها مساء و ترتاح من مشقة التنقل ، و كذلك مساعدة صديقتها خديجة في مهمتها التي تبدو صعبة لوجود عائق و هو فقدان البصر ، فمنذ أن قطنتا معا بدأت علاقتهما تتوطد بل أصبحتا شخصا واحدا بسبب وجودهما في كل مكان معا ، فرحتا معا أسرة شيماء و أسرة خديجة بهذه الصداقة التي جمعت بين بنتيهما ، و بسبب هذه العلاقة ظهر تفوقهما من خلال مشاركتهما في النقاشات التي كانت تفتح في قاعات و مدرجات الجامعة ، و كانتا معا ترتادان مكتبة الجامعة مما سهل عليهما التفوق و ربح الوقت ، و مضت السنوات اتباعاً ، و هما على ذلك الحال ، و كم كان صعبا فراقهما في فترة العطل ، فكانت سلوتهما هي مكالمات مطولة ليل نهار ، مما كان يخفف عنهما ألم البعاد ، علاقتهما كان ملؤها الحب الصادق و البذل في العطاء بدون حساب ، فلم يكن يتخلل هذه العلاقة لا حساب و لا عتاب، و تشاء الأقدار أن تحصلا معا على شهادة الدكتوراه بامتياز في تخصصيهما ، و كانت هذه العلاقة الفريدة حديث كل الطلبة بل مثالا قل نظيره ، فشيماء كانت تخبر معارفها و صديقاتها و كل من تعرف بأن خديجة هي توأم روحها ، كما كانت تحب ان تناديها بهذا اللقب بل كانت بمثابة أختها التي لم تلدها أمها ، منحتها العطف و الحنان الأخوي و الأمن و الاستقرار و فرصة التفوق عندما احتضنتها و فتحت لها بيتها و شاركتها غرفتها و منحتها مفاتيح البيت تأتي متى شاءت و تلج الدار دون إذن بل إذنها معها منذ ان وطأت قدميها ذلك البيت ، و كذلك كانت خير موجه و مرشد لها عندما تضيق بها الارض … و نفس الخطاب كانت تقوله خديجة لمعارفها و صديقاتها و كل من تعرف بأن شيماء هي توأم روحها ، وجدت فيها خصالا يصعب تعدادها بحيث كانت عينيها التي طلت بهما على العالم بكل تلاوينه ، عالم المعرفة بحيث كانت شيماء لا يرتاح لها بال حتى تتم خديجة ما تشتغل عليه من بحوث ، و قراءة ما تطلبه منها دون كلل و لا ملل ، و كانت تصحبها للمعارض و المنتزهات و حضور المناقشات التي يعلن عنها في الجامعة… و هي تعدد خصال صديقتها شيماء لم تتمالك نفسها حتى بكت و بحرقة و بدموع مسترسلة لسبب ليس بالبسيط و هو أن العمل بعد التخرج باعد بينهما المسافات و كذلك الزواج حيث تزوجتا معا في وقت متقارب …"
و كانتا ترددان نفس المقولات لشدة التصاقهما الواحدة بالأخرى لسنوات ليست باليسيرة "هو قدرنا الجميل و الله قادر على جمعنا في قريب الآجال كما جمعنا في البداية من غير ميعاد ، قادر على أن يجمعنا ثانية "
ذ شكيب مصبير
Post A Comment: