الحسد معصية عظيمة وأول ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء والأرض | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


الحسد معصية عظيمة وأول ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء والأرض | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الحسد معصية عظيمة وأول ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء والأرض | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 

 


الحسد داء قديم ابتليت به البشرية منذ القدم وانتشر بين الناس في كل زمان ومكان .


والحسد خلق ذميم، وصفة وضيعة، حقيرة لا تكون إلا في النفس العاجزة، المهانة التي تعجز عن فعل الخير، وتتمني زواله من غيره حتي يكون العاجز والعامل سواء كما قال تعالى :


ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء


إنه خلق ذميم لا يليق بمؤمن آمن بربه، وأيقن بحِكمته، ورضيَ بقِسمته وأحَبّ الخير لمجتمَعِه وأمّتِه .


وقد حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلّم، وبيّن أنه يتنافى مع الإيمان، وقِيم الإسلام وأخلاقه، فقال عليه الصلاة والسلام:


لا يجتمعان في قلب عبد الإيمانُ والحسد .


أخرجه النسائي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه .


وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 


لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادَ الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال .


فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو فمن كان يحب الله واليوم الآخر فلينتهي عن هذه الصفة إن كانت فيه وليحذر عقاب الله في الدنيا والآخرة ومن لم يكن من أهلها فليحمد ربه حمداً كثيرا علي ذلك فإن الآفة الوضيعة تقتل صاحبها وتهينه وتجعله من السافلين .


إن الحسد مرض ينشأ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني الأسماء والصفات.


فالحاسد لو كان عنده إيمان قوي بقضاء الله وقدره ما حسد الناس على ما قضاه الله وقدره .


إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين؛ ولهذا يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المُنْعَم عليه .


الحاسد قد يشعر وقد لا يشعر أنه أول المتضررين بلفح نار حسده .


فالحسد نار متأججة تحرق أول ما تحرق مذكيها ومشعلها .


وقد قالوا :


لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله .


وقال معاوية رضي الله عنه: 


ليس من خصال الشر أعدل من الحسد ، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود .


وقيل : 


الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامةً ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاءً ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغما ولا ينال في الاخرة إلا حزنا واحتراقاً ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتًا .


قال الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى : 


يصلُ إلى الحاسد خمسُ عقوباتٍ قبلَ أنْ يَصِلَ حَسَدُهُ إلى المحسودِ :


أولاها : غَمّ لا يَنْقَطِعُ 


وثانيها : مُصِيبةٌ لا يُؤجر عليها


وثالثها : مَذَمّةٌ لا يُحْمَدُ عليها


ورابعها : سُخْطُ الرَّب جلَّ وعلا


وخامسها : يُغْلَقُ عنهُ بابُ التّوفيقِ .


قال معاوية رضي الله عنه : 


كلّ الناس أقدِرُ على رضاه إلّا حاسدَ نعمةٍ فإنّه لا يُرضيه إلّا زوالها .


ولذلك قيل :


كلّ العداوات قد ترجى إماتتها 


                    إلّا عداوة من عاداك عن حسد


يقول عبد الله بن المعتزّ رحمه الله :


اصبر على كيد الحسود فإنّ صبرَك قاتِله 


          فالنّار تأكل بعضَهـا إن لم تجدْ ما تأكله


الحسد صفة إبليس اللعين، وهو أول معاصي بني آدم في الأرض ، وسبب أول قتل في الأرض ، وهي خصلة اليهود المذمومة في القرآن الكريم .


قال تعالى : 


﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾


 [النساء: 54]


وقال سبحانه :


﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ﴾ 


[البقرة: 109]


الحسد معصية عظيمة ، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء ، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به في الأرض .


وأمَّا ما كان في السماء ، فهو عِصيان إبليسَ أمرَ ربِّه أن يَسجُد لآدَم ، لقد كان دافعَه الحسدُ لإكْرام الله له .


قال تعالى : 


﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾


 [الحجر: 29]


وسجد الملائكةُ لأمر ربهم ، وأبى إبليس .


ولمَّا سُئِلَ عن سبب ذلك أجاب : 


﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ 


[الأعراف: 12]


وأمَّا ما كان في الأرض ، فقَتْلُ قابيل لأخيه هابيل ، لقد قدَّم كلٌّ منهُما قُربانًا إلى الله ، فقُبِلَ قربانُ هابيل ولم يُقْبل قربان قابيل ، وقتل قابيلُ أخاه هابيل وعجز عن مواراة جثَّته إلى أن أرسل الله له غُرابيْنِ فاقْتَتَلا ، وحفر القاتلُ حفرةً ودفَن الآخَرَ القتيلَ ، فحذا قابيلُ حذوَه ووارى أخاه التُّراب .


لقد كان الحسد هو الدافعَ وراءَ أوَّل جريمةٍ على الأرض ، على ما ساقه الله من فضل وإكرام لعبده الذي قرَّب إليه قربانًا فتقبَّله منه ، إشارةً إلى رضاه عنه ، فحسده أخوهُ على ذلك الفضل .


والحسد جاء النهي عنه في نصوص عديدة يقول عليه الصلاة والسلام :


إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً .


رواه البخاري ومسلم 


إن الحسد من كبائر الذنوب والكثير منا لا يلقي له بالاً، بل إنه مهلك للحسنات .


يقول عليه الصلاة والسلام :


إياكم والحسد ، فإن الحسد يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب .


رواه أبو داود وابن ماجه 


إن الحسد يمزق المجتمع ويفرقه، ويزرع فيه الشحناء والضغينة .


قال النبي صلى الله عليه و سلم قال: 


دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم ؟ 

أفشوا السلام بينكم .


رواه أحمد والترمذي


نسأل الله تعالى أن يقينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.


اللهم طهّرْ قلوبنا من الحسَدِ والحِقد والبغضاء ومن كل سوء وضغينة يا رب العالمين .


اللهم ارزقنا الرضا بما قسمت ، وألهمنا الشكر على ما أعطيت .



Share To: