منمنمات الجمر والرماد.. نفث(4) | بقلم الأديب الفلسطيني طلعت قديح


منمنمات الجمر والرماد.. نفث(4) | بقلم الأديب الفلسطيني طلعت قديح
منمنمات الجمر والرماد.. نفث(4) | بقلم الأديب الفلسطيني طلعت قديح

 


عدم وجود نخلة في قلب روحك، دليل على خواء حياتك، كأن يُسلب منك صمت الوقار في ذاتك أو تصاب بخنجر يولد معك كلما أهلكتك العزلة الطوّافة بروحك النّافضة، العزلة المقيتة بيت مطعون بالوحدة، يمكن أن تقطعك سنوات وسنوات، دون أن تشعر أنك أصبحت في طرف الريح التي تحاول أن تحبل بغتة من بنات أفكارك شيئا من المتعة المزيفة.

لماذا علينا أن نكون أكثر حدة من صوت المناداة كي نستفيق من تلويحة الماضي، لا أعلم كيف يمكن أن أتسمّر مغبونا فوق قارعة ذاكرة لا تعرف النّسيان.

كيف لي أن أهرب منها وهي ظليلي وظلالي وناثرة السّكر في فم أيّامي، وهي الملح في طهو اللحظات الأكثر التحاما على صفحة اللّقا.

أحب المرأة الكريستالية، المرأة التي تبتسم معها الدنيا؛ إذا ابتسمت، أحب سماع صوت خلخالها ساعة ارتكاب الوقت فاحشة الغياب، أشدّ بنصل الانتظار ذاكرة لا تسند إلا حين تكون؛ حين يستبد بها سلك مشدود في اتصال الجسد بمرافئ الروح العابثة ... أتذكر أني حين أغطّ في نومي أطيّب المسافات البعيدة، وضحكتها الغائبة عن بياض أحلامي، وأطرد عني الرجولة المصطنعة ذات سراب.

مهاب كالرّيح الجاثم على سفح ساحلي من شرق قلبي وجنوب قلبها، في مكانها أحرس بحور بشرتها وغسل صوتها باسمي بماء الصلاة المتلوًة بشآبيب الورد وسيرة الورد المُدهن بفمها، وكنوز صدرها، ومفاتن الظل في ساقيها، وتحفة الفردوس في عاج العنق، وتاج الغنج حين حلّت شعرها...

هي بنت الخيزران حين ألدغها بما لا يخطر على بال انتظارها، لا نوم إن كنتُ وكانت، إن صرتُ وصارت، إن بتُّ وباتت، حين ذُكرتُ عندها، فهمتُ وهامت!

أراني ثاني اثنين في لغة الملح والعنبر، أمضي في وداع حروفي بلا قُبل، أو احتفالية يتيمة، أحسّني أتسلق كل التشكيلات والمواكب اللغوية العالقة على صخرة عنادي في إذكاء تموجات الكلمة بين العين والمدى المتأرجح، لا أحب سماع صوت خرخشة لا تليق ببكاء الحروف حين أنتهي من دلقها على الورق.

أعلم أن شواطئ حبري تنتظر أن تكون المرآة لأحاسيس الغضب والفرحة اليتيمة في بيت قلبي الذي ما أكمل الدنو لذات القلب! أراني أتكوم ثانية وفي يدي المترنحة أثر من حبر.

خمسون مرت من خريف العمر، أفحص مقدار الحزن الذي يلغ نصف قرن من حشو الرماد في روح ذابلة.

خمسون ولم يتفتح الورد بكامله إلا أياما معدودات، خمسون وأحسني أدور وأدور ...

لماذا عليّ أن أواظب في إشعال شمعة لا نور لي منها، هل أحب الإيثار أم أن هناك شمعة لم يأت دورها بعد، أو أنني لا أراها كي يكون لي دور في إشعالها.

الرماد يلمس فمي وأنا لا أراه، كيف لي أن تهطل ابتسامة وأنا أصدّها في قراري الظاهري!

لماذا وكيف؟ هكذا دون شيء ... أدور وأدور ...


3-6-2024

غزة المحتلة


طلعت قديح




Share To: