فقدنا وافتقدنا | بقلم تسنيم عبد السيد / كاتبة سودانية


فقدنا وافتقدنا | بقلم تسنيم عبد السيد / كاتبة سودانية
فقدنا وافتقدنا | بقلم تسنيم عبد السيد / كاتبة سودانية


كأنه بالأمس، صباح ذلك السبت قبل أربع سنوات.. الثامن من أغسطس/آب.. 

صباحاً ملبداً بالغيوم، تراكمت سحبه الكثيفة السوداء فوق منزلنا، معبأة بخير المطر وشر الخبر..

الآن أنا هناك عند تلك الساعة، أنظر لذلك المشهد المحتشد بالأسى والذهول.. فجأة وبلا سابق إنذار سقطت أمي أرضاً.. همهمت ببضع كلمات.. صعدت روحها للسماء.. انفجرت تلك الغمائم السوداء وانهمر المطر بغزارة..

هكذا في دقائق معدودة انتهى كل شيء! أذكر أني نظرت نحو السماء لحظتها وهي تُرعِّد وتبرق، وقد اختلطت عليَّ النوازل، أهذه مدامعي التي تجري على الأرض أم أمطار السماء! لا يهم، جسدي يرتعد، عقلي توقَّف عن التفكير، كأنه يخشى أن يكون ذلك السقوط هو النهاية لتلك الرواية العظيمة!

لا أنسى نظرة العتب تلك  وليس بيني وبين السماء حجاب سوى ضوء البرق الذي يجهر عيني دون أن ترِّف، لحظتها نظري للسماء وقلبي يستغيث: إنها أمي يا الله.. فهلَّا تكرَّمت وأبقيتها مزيداً من العمر..

لقد امتصت أمي رحيق الفرحة من أيامي ورحلت، لم تقصد لكنها فعلت! لا أدري كم من الوقت أحتاج حتى أستوعب ذلك الحدث المهيب، الغياب المفاجئ، الهروب السريع، الاختفاء، استحالة العودة.. 


أذكر جيداً ضجيج بيتنا في تلك الأيام.. هيبة العزاء، ألم الفقد، نظرة الشتات، ارتعاش النبض، ارتجاف الأيدي.. لكن يبقى عزائنا أن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأن أمي لا تستحق إلا خيراً.. 


علوية عثمان الزبير.. إمرأة صالحة، حُق لها أن ترتقي لأعلى درجة في الجنة، أفنت روحها في اسعاد من حولها، لم أرَ إنسانًا راضيًا كأمي، لم أعاشر قلبًا متسامحًا كقلبها، ولا أظن أن أحدًا غيرها يملك كل هذا القدر من الخير والرضا والحب، لله درها من أُم.

إليها في عليائها: لقد تزيَّنت بكِ وبالمخلصين من أمثالك تلك العوالم الأخرى.

إنّا لله

وإنّا إليه راجعون





Share To: