احك يا شكيب " ضاع عمري لما مرض والدي " | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


احك يا شكيب " ضاع عمري لما مرض والدي " | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
احك يا شكيب " ضاع عمري لما مرض والدي " | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


ولدت في أسرة متوسطة الحال أب و أم و اخوات بنات ،   كان همها تحقيق أحلامها الكبيرة ؛ دراسات عليا و وظيفة تليق بما ستحققه من شواهد عليا ، كان والداها فرحين بها و بطموحها و بسمو أخلاقها ،  كانت هي نبع الحنان داخل الأسرة ،  وجودها يبعث السعادة و الدفء بين جميع مكونات الاسرة الصغيرة ، من خلال كلامها و الحكم التي تنطق بها و المواضيع التي تتطرق لها تفتح نقاشات و تديرها بمهنية كبيرة وكل هذا و هي صغيرة السن ، كانت قارئة بامتياز تختلي بنفسها حاملة كتابا تلتهمه التهاما  أو مجلة لا تتركها الا و قد احاطت بكل مواضيعها ، و لما بلغت من العمر ستة عشر سنة أصيب والدها بمرض خبيث  سرطان الحنجرة ، فنزل الخبر على أسرتها كالصاعقة ارتج عرش البيت جميعهم دخلوا في حزن عميق ،  ماذا وقع ؟و كيف وقع ؟ و لماذا الآن ؟ أسئلة تناثرت أمام حيرتهن جميعا ؟؟؟ طرحن  سؤالا واحدا ما العمل أمام هذا المصاب ؟ 

المرض خطير و كلفته مرتفعة و الدولة لا تدعمه الا بفتات لا يسمن و لا يغني من جوع ؟ الأب مو ظف بسيط مثله مثل كثير من المواطنين البسطاء اقتنع بفكرة قبر الحياة شراء شقة بسيطة بأقساط تمتد عبر الزمان لتصل لخمس و عشرين  عاما ، تحصد ربع الراتب و كل ما يتبقى موزع على مصروف يومي ؛ مأكل و مشرب و تطبيب و دراهم للنقل  عبر وسائل عمومية له و لبناته،  راتبه  ينتهي قبل متم  كل شهر ، غابت لمة الاسرة و غابت الابتسامة من الوجوه كل واحد دخل في توقعات و  تخيلات و فرضيات ، هل الخبر قابل للنشر ؟  كيف يتم تصريفه داخل العائلتين عائلة الزوج و عائلة الزوجة ؟ 

بدأت حصص العلاج الكميائي و بدأت ملامح وجه الأب و صحته يتغيران و الاوجاع تتعب الاب و الزوجة تكابد في صمت و البنات يتناوبن مع والدتهن في العناية به ، و استمر الحال لمدة سنتين ، فتدخل صديق الاسرة صديق والد البنات و طلب من صديقه المصاب  ان يهب الشقة الوحيدة التي يملك على الزوجة و البنات مخافة من تشردهن بعد وفاته ، فاستحسن الوالد ذلك العرض و لكنه صدم بأن البنك الذي اقرضه مبلغ الشقة لغياب الضمانات و هو المريض بمرض مزمن كلفته تفوق الخيال ، فرفض السماح له بذلك بعدما علم المدير بحالة زبونه الصحية فزاد حزنه وصدمته  و جرح قلبه إيلامًا لما حكاه له صاحبه من حوادث وقعت لأناس تركوا زوجة و بنات ، فكان الضياع و التشرد و خاصة عندما تكون الزوجة ربة بيت و لا وظيفة لها سوى رعاية البنات و البنات يكن في سن صغير يعني قاصرات ،

بنته النشيطة التي كانت هي دينامو البيت أصابها حزن  عميق اثر على عطائها و جعلها مكتئبة و خاصة بعد سماع صديق والدها لما حكاه له أمامهن و كانت الصدمة أكبر عندما سمعن برفض مدير البنك لطلب والدهن ، ومضت سنتان أخريتان و الزوجة و البنات في سباق مع الزمن  ، الوالد يقاوم و مقاومته لم تقو على هزم هذا العدو الفتاك الشرس  ، بل اصبح جسده عظام نخرة غير مكسوة بلحم و عيون جاحظه و رموش طولها مثير للناظر ، خلال هذه المدة زيارات الاهل كانت قليلة و شحيحة و كل ما كان من مال على قلته ذهب وراح ، و تراكمت الديون و  انقطعت البنت النشيطة عن متابعة دراستها و الام اصبحت تشتغل خلال أيام الاسبوع في تنظيف الشقق مقابل مال لا يكاد يسد الحاجة ، فاشتغلت البنت في مقهى و تعرضت لكل أنواع الاهانة و التحرش ، كانت صابرة محتسبة  راضية بقدرها ، همها مساعدة والد لم يكن يبخل عليها بشيء من ماكل و مشرب و ملبس و تطبيب و نقود للنقل العمومي و كتب و مجلات ، فعرضت عليها "صديقة " الاشتغال معها في مطعم ملهى ليلي لتحسن من مدخولها لما علمته من حال والدها و مرضه المكلف و المرهق للاسرة صحيا و ماديا ، فقبلت على مضض كيف لا تقبل و هي ترى والدها يتألم ووالدتها التي كانت معززة مكرمة تشتغل داخل البيوت و تتعرض بدورها للإهانة بشتى تلاوينها ، نعم قبلت و هنا بدأت تحرشات اخرى من نوع "راق" دعوتها للسهر بعد العمل و هي الجميلة خلقا و خلقا و امام الاغراءات و حالة والدها التي تزداد سوءا كانت تستسلم و بدأ ضياعها من خلال اعتيادها على التدخين بجميع أصنافه مخدرات و تناول مسكرات و اعتياد على السهر ، مات الوالد و دخل الورثة "العصبة " على الخط و بيعت الشقة و بقيت البنت هي  المعيلة للأسرة جميعها ،  لم تفرط و لم تجعل اخواتها يغادرن التمدرس و هي التي ضحت بكل شيء في مجتمع لا يرحم و مجتمع منافق كثير من أهله ، عندما يتعلق الامر بالارث يتلون عليك الايات القرآنية و الاحاديث النبوية و عندما يتعلق الامر بالتضامن  و التآزر و التزاور يعتذرون لكثرة المشاغل ؟ 

هل البنت  كانت ضحية  ؟  أم كان عليها ان تسلك مسلكا اخر ؟ و هل طرقت ابوابا أخرى و لما سدت في وجهها ذهبت حيث علمتم ؟ و هناك من يقول الحرة لا تأكل بثدييها ؟ و هناك من سيقول …. 

و لكن المثل المغربي يقول ما تيحس بالمزود غير المخبوط بيه و لا المدگوگ فيه 

هنا تكون حكايتنا قد انتهت و لم تنته معها معاناة ورثة بنات  و مرضى سرطان و تحرش ضد النساء  و تسلط من تسقط بأيديهن من يطلبن لقمة حلال و هلم جرا 

ذ شكيب مصبير



Share To: