الإنتصار علي الظلام | بقلم الكاتبة المصرية أميرة محمد
الإنتصار علي الظلام | بقلم الكاتبة المصرية أميرة محمد |
"الصحة النفسية في مجتمعنا لا تزال تُعتبر وصمة عار برغم التقدم والتطور الذي نشهده. لكن ما زال معظمنا يعتقد أن الحديث عن الصحة النفسية يجعلنا نشعر بالخزي. الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل إن الصحة النفسية السيئة قد تتسبب في أمراض جسدية تتراوح شدتها من أمراض بسيطة إلى أمراض خطيرة.
عندما يؤلمك عضو من أعضاء جسدك، تنزعج وتذهب للطبيب، في حين أن الصحة النفسية تؤثر على تفكيرك وعقليتك، وهما ما يتحكمان بباقي أعضاء جسدك. فالاكتئاب، مثلاً، ليس كما تظهره الشاشات على أنه حالة من الحزن؛ فالحزن متواجد عند جميع البشر لأنه شعور طبيعي. لكن الاكتئاب ليس بحزن، بل هو فراغ داخلي ليس له معنى. فأنا لست حزينًا ولا سعيدًا أيضًا، كل شيء توقف فجأة كأنني إنسان بلا روح. أسوأ شعور قد يمر عليك هو شعور الفراغ هذا، وكأنك في حلم أو غيبوبة، فلا تستطيع معرفة ما يحدث معك. أنت لست طبيعيًا و هذا كل ما تدركه.
هناك نوع من أنواع الاكتئاب يقوم فيه المريض بالتمثيل على من حوله حتى لا يصبح عبئًا عليهم، فيستيقظ كل يوم وهو لا يستطيع أن تلمس أصابع قدميه الأرض. لكن مع بداية الصباح يبدأ العرض التمثيلي أمام الجميع؛ يبدو طبيعيًا جدًا وربما يضحك مع الآخرين، إلى أن يعود ويختلي بنفسه ويشعر بداخله بكل مشاعر الألم التي لم يعشها أمام الآخرين. لأن الشعور الوحيد الذي لا يختفي مع الاكتئاب هو شعور الألم، فأنت لست حزينًا ولكن متألمًا. يتزامن مع هذا اضطرابات في النوم والوزن.
يجب أن نعرف أن الاكتئاب مرض حقيقي ويجب أن يُعالَج. يجب أن تتبع نصائح الطبيب سواء كانت تتعلق بطريقه جديده في التفكير او تناول بعض الأدوية. لا تخف من رحلة التعافي، فهو مرض مثل أي مرض ويجب أن تتعالج منه. لا تستمع لمن ينصحك بعدم تناول الأدوية النفسية، فهو لم يجرب مرضك، كما أنه ليس طبيبًا. اختر طبيبك جيدًا، وعلى من حولك أن يكونوا متفهمين للمرض وداعمين لك. بدلاً من الحكم عليك وعلى كل المرضى النفسيين، فعليك دعمهم أو لتصمت.
لا تصفهم بالضعف أو قلة الإيمان، فلدينا أمثلة من مشاهير ورجال دين عانوا من الاكتئاب. فنتذكر من المشاهير "روبين ويليامز" الممثل الكوميدي الأمريكي الشهير، و"نايمار جونيور" لاعب كرة القدم البرازيلي المشهور.
ونأتي لرجال الدين الذين عانوا من الاكتئاب. مثل "الشيخ محمد الغزالي" أحد أبرز علماء الدين في مصر، وقد تحدث في كتبه عن معاناته مع الاكتئاب. و كذلك "الشيخ عبد الحميد كشك"، الذي كان من أشهر الدعاة في مصر، وقد عانى من الاكتئاب في فترات من حياته. كل هذا يثبت أن الاكتئاب مرض حقيقي وليس شيئًا آخر.
وأنت أيها الإنسان الذي ابتلاك الله بهذا المرض، لا تخجل من مرضك أو من طلب المساعدة، فأنت تستحق أن تعيش حياتك بكامل طاقتك وتشعر أنك طبيعي مثل باقي البشر. أنت محارب في ساحة الاكتئاب، فلا تقف مكتوف الأيدي، فأنت تستحق الأفضل.
كما قال الطبيب النفسي الشهير كارل يونغ، "من لا يواجه الظلام داخل نفسه، لن يرى النور أبدًا."
كما يوجد كتب كثيرة تتحدث عن الاكتئاب مثل كتاب الدكتور "محمد الشامي" دكتور الأمراض النفسية وقد أطلق على كتابه اسم "الكلب الأسود"، وقد أخذ هذا الوصف نقلًا من السياسي البريطاني "ونستون تشرشل" في وصف نوبات الاكتئاب التي كان يعاني منها، إذ شبهه بالكلب الذي ينهش القلب والجسد، فهو سرطان يصيب الروح، وثقب أسود يبتلع الحياة ويفقدها جدواها لدى المصابين به. وتؤكد الإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب من أكثر الأمراض شيوعًا في العالم، ويحل بالمرتبة الثانية بعد أمراض القلب في قائمة الأمراض الأكثر انتشارًا التي تتسبب في تعطيل حياة الناس، وفي أحيان كثيرة تدفع حالة الاكتئاب المصاب بها إلى الانتحار.
وهذه الجزئية منقولة من كتاب "الكلب الأسود" للدكتور محمد الشامي، الذي تطرق أيضًا في كتاب "البندول" إلى مرض الوسواس القهري.
كلامنا عن الصحة النفسية لا يمكن اختصاره في مقالة واحدة بسبب كثرة الأمراض النفسية وكثرة انتشارها في المجتمع مع عدم إدراكنا لأهميتها.
في النهاية، إلى كل مريض نفسي، كل منا يستحق أن يعيش حياة مليئة بالسعادة والراحة النفسية، فاطلب المساعدة ولا تخف. "أنت لست وحدك."
كل يوم جديد هو فرصة جديدة، ولا تنسى أن القوة تأتي من داخلك، وحتى في أحلك اللحظات، فكن لطيفًا مع نفسك وسامحها وتقبلها كما هي، واسمح للوقت والعلاج بأن يأخذا مجراهما.
ابقَ قويًا ولا تنسَ أن هناك نور ينتظرك في نهاية النفق.
Post A Comment: