أمي مصدر غناي | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


أمي مصدر غناي | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير
أمي مصدر غناي | بقلم الكاتب والفنان التشكيلي ذ. شكيب مصبير


شاءت الأقدار أن يعيش الحر مع إخوته ووالدته التي تحملت عناء تربيتهم ورعايتهم والنفقة عليهم منذ  صغرهم،  كان يدرس في مدرسة خاصة، وبعد طلاق والديه التحق بمدرسة عمومية لأن مصاريف التعليم  في المدارس الخصوصية كانت مكلفة جدا لوالدته التي كانت معيلتهم الوحيدة، وكان هذا التغيير سببا في تراجع مستواه الدراسي ، رغم ذلك ظلت والدته تشجعه وتسانده حتى استعاد رتبته كما كان من قبل، من هنا بدأ مشواره في رحلة التفوق، كان يساعد والدته في تربية اخوته رغم  صغر سنه ،كان يلتقي  بها وهي عائدة من عملها  فيشتريان معا بعضا من الفواكه ، كما كان يتقاسم معها حمل توزيع  راتبها عند بداية كل شهر على مستلزمات وضروريات حياتهم من واجبات الكراء والمواد العذائية وواجب الماء والكهرباء ... لم يكن يكتفي بمتابعة دراسته بل كان يشتغل في وقت فراغه في مساعدة خياط الحي و زوج خالته في إصلاح الساعات وقريب له يساعده في الصباغة مقابل أجر زهيد ، كما أنه كان يبيع التين الشوكي ... مما كان يساعده على شراء بعض من متطلباته من ألبسة وأحذية، وكان كثير السفر لزيارة الأهل والأصدقاء لكون والدته كانت توفر له تذاكر كانت تمنح لها في عملها ، وكانت وجهته المفضلة مدينة تطوان شمال المغرب عروس الشمال.

تعلم  من والدته العناية بإخوته بحيث جعلته مسؤولا عنهم وعن أمنهم مخاطبة إياه بكلمات كان وقعها  ثقيلا عليه حيث كانت تردد دائما على مسامعه" أنت رب أسرتنا"، فكان سدا منيعا لهم أمام اعتداءات وتحرشات الغير بهم .

التحق الحر بالجامعة وحصل على المنحة الدراسية التي كان يدبر بها أموره من تنقل وشراء كتب وملابس ومساعدة إخوته ماديا، رغم قلتها ، ولم يكن ينس تقديم هدية رمزية لوالدته ، ويخصص مبلغا بسيطا لشراء سلع كان يجلبها معه من مدينة تطوان كلما سافر هناك ويبيعها للجيران ،

ولما أنهى مشواره الجامعي وحصل على الإجازة سافر لمدينة باريس بفرنسا لإجراء مقابلات لإتمام دراسته العليا هناك ، لكنه  اصطدم بواقع صعب و بعنصرية بعض الأساتذة ، زد على ذلك أنه كان يتصل بوالدته مرات عديدة على هاتف البيت الثابت فيظل يرن دون مجيب فيزداد قلقه على  والدته و إخوته . مما جعله يفكر في العودة من حيث أتى

وعند عودته من فرنسا اقترح عليه صديق له أن يعملا في مشروع لبيع السلع التي كان يجلبها من مدينة تطوان ، فوافق على الفور واكتريا مرآباً  حولاه لمكتبة لبيع الأدوات المدرسية وركن منه لبيع السلع ،  أصبحت المكتبة قبلة للأساتذة و التلاميذ وأوليائهم ، كما أن مشروعه الصغير بدأ يلقى إقبالا لا بأس به.  

في هذه الفترة تقدم الحرّ لخطبة طالبة كانت تدرس معه بالجامعة ثم تزوجها، ولم تتوقف والدته عن مساعدته ،كانت تأتيه بقفة فيها خضر ولحم ودجاج وفواكه وتسلمه إياها بعد أن يخرج من المكتبة حتى لا تحرجه أمام صديقه فيعود لبيته محملا بها.

‎بعدها اشتغل في القطاع الخاص، كان الحر يتطلع لأتمام دراسته العليا، تسجل في الجامعة لكن العبء كان ثقيلا عليه ، فتفرغ لعمله الجديد ، و رزقه الله بذرية وحمد الله على ما أولاه من نعم ، نعمة أمّ فضلها عليه كبير ، لم ينس أبدا  أن أمه كانت دائما توصيه بوالده خيرا رغم أنه لم يكن يوما أبا، لا أقول أبا مثاليا لكنه لم يكن  حتى أبا عاديا، كما كانت تلح عليه أن يخصص جزءا من مدخوله  البسيط لوالده يستعين به على متطلبات الحياة ، علما أنه لم يكن ينفق على أولاده لما كان موظفا ساميا بل تركهم عرضة للضياع والإهمال ، ومن بين الأمور التي وقعت للحر مع والده مرة بل عدة مرات أنه أحيانا حين تتعسر أموره المادية كان  يذهب عند والده عبر حافلتين لأن المسافة كانت طويلة ، ولما يصل لمقر عمله ليطلب منه بعض النقود ينهره ويرده خاوي الوفاض فيعود مشيا على الأقدام لمدة  ساعتين لأنه لا يملك ثمن تذكرة الحافلة للعودة ودموعه تجري على خديه . لذا كان الحر دائم الحديث مع أصدقائه عن فضائل والدته عليه مستحضر حوارا دار بين أب وابنه: "طفل يسأل والده ، ما معنى رجل ؟ أجاب الأب " هو الشخص المسؤول عن أبنائه يهتم بأمورهم ويسهر على راحتهم " فقال الطفل : " أتمنى أن أكون رجلا مثل أمي " مرددا بكل افتخار كلمته المعهودة "والدتي مصدر غناي"  فعلا لقد كنت يا أماه رجلا بما للكلمة من معنى  

 

ذ شكيب مصبير




Share To: