الضمير والفأر الحكيم | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة 


الضمير والفأر الحكيم | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة
الضمير والفأر الحكيم | بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة 



‏كالخيلِ يمنعُنا الشُّمُوخُ شِكايةً

وتئِنُّ من خلفِ الضلوعِ جروحُ

. عجباً

على زماانٍ اصبح كحفلةٍ تنكُريه يرتدي فيه الناسُ انواعاً من الاقنعه السحريه لانها تُخفي حقيقتهم بسريه. الثعلبُ فيهِ حملٌ وديع. والغُرابُ حمامةٌ بريه. وأصحابُ القلوبِ الصافيه هم الضحيه.


فقصص التاريخ لا تُحكى للأطفال لكي يناموا! بل تُحكى للرجال لكي يستيقظوا. تحضُرنى قصة فأر كان يعيش في مزرعة فرأى يوماً صاحبها يخرج مصيدة من صندوق ، فاندفع الفأر كالمجنون في أرجاء المزرعة وهو يصيح: لقد جاؤوا بمصيدة الفئران .. يا ويلنا ..هنا صاحت الدجاجة محتجة : تزعجنا بصياحك وعويلك فالمصيدة سيتم إعدادها لك. هذه مشكلتك أنت وحدك ..فتوجه الفأر إلى الخروف :

الحذر، الحذر ففي البيت مصيدة ..

فابتسم الخروف وقال : يا جبان يا رعديد، لماذا تمارس السرقة والتخريب طالما أنك تخشى العواقب ثم إنك المقصود بالمصيدة فلا توجع رؤوسنا بصراخك، وأنصحك بالكف عن سرقة الطعام وقرض الحبال والأخشاب 

هنا لم يجد الفأر مناصا من الاستنجاد بالبقرة التي قالت له باستخفاف : في بيتنا مصيدة ..! ! يبدو أنهم يريدون اصطياد الأبقار بها ..فتسألت البقرة ساخرة: هل أطلب اللجوء السياسي في حديقة الحيوان؟

و بعد ما تبين له أن لاأحد يهتم قرر أن يتدبر أمر نفسه و واصل التجسس على المزارع حتى عرف موضع المصيدة، و قرر الابتعاد من مكمن الخطر ونام بعدها قرير العين. وفجأة شق سكون الليل صوت المصيدة وهي تنطبق على فريسة ..وهرع الفأر إلى حيث المصيدة ليرى ثعبانا يتلوى بعد أن أمسكت المصيدة بذيله ثم جاءت زوجة المزارع و بسبب الظلام حسبته فأرا وأمسكت بالمصيدة فعضها الثعبان فذهب بها زوجها على الفور إلى المستشفى حيث تلقت إسعافات أولية، وعادت إلى البيت وهي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. فقام المزارع بذبح الدجاجة لتوفير حساء لزوجته ..وتدفق الأهل والجيران لتفقد أحوالها، فكان لابد من ذبح الخروف لإطعامهم ..ولكن الزوجة المسكينة توفيت بعد صراع مع السموم دام عدة أيام وجاء المعزون بالمئات واضطر المزارع إلى ذبح بقرته لتوفير الطعام لهم ..


و بذلك يكون الحيوان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو الفأر الذي كان مستهدفا بالمصيدة و كان الوحيد الذي استشعر الخطر ..بينما الآخرون حسبوا أنهم بعيدون عن المصيدة فلم يستشعروا الخطر بل استخفوا بمخاوف الفأر الذي كان يعرف بالغريزة والتجربة

أن ضحايا المصيدة قد يكونون أكثر مما يتصورون. فكيف حالكم أيها الضحايا؟


رحم الله جبران وجبر الله حسرته وحيرته حين تسائل "ماذا تريدون أن أفعل يا بني أمي ؟... أأهدل كالحمائم لأرضيكم أم أزمجر كالأسد لأرضي نفسي؟ قد غنيت لكم فلم ترقصوا و نُحْتُ أمامكم فلم تبكوا، فهل تريدون أن أترنم و أنوح في وقت واحد؟


نفوسكم تتلوى جوعاً و خبز المعرفة أوفر من حجارة الأدوية، و لكنكم لا تأكلون و قلوبكم تختلج عطشاً و مناهل الحياة تجري كالسواقي حول منازلكم فلماذا لا تشربون؟


قلت لكم تعالوا نصعد إلى قمة الجبل لأريكم ممالك العالم، فأجبتم قائلين: 

في أعماق هذا الوادي عاش أباؤنا و أجدادنا و في ظلاله ماتوا و في كهوفه قبروا، فكيف نتركه و نذهب إلى حيث لم يذهبوا؟


لقد كنت أحبكم يا بني أمي و قد أضر بي الحب و لم ينفعكم، وكنت أشفق على ضعفكم يا بني أمي والشفقة تكثر الضعفاء و تنمي عدد المتوانين و لا تجدي الحياة شيئاً، كنت أبكي على ذلّكم و انكساركم و كانت دموعي تجري صافية كالبلور، و لكنها لم تغسل أدرانكم الكثيفة بل أزالت الغشاء عن عيني، و لا بلّلتْ صدوركم المتحجرة بل أذابت الجزع في قلبي، و اليوم صرت أضحك من أوجاعكم و الضحك رعود قاصفة تجيء قبل العاصفة و لا تأتي بعدها.


ماذا تريدون مني يا بني أمي ؟

أتريدون أن أريكم أشباح وجوهكم في أحواض المياه؟ إنما الحياة عزم يرافق الشبيبة، و جدٌّ يلاحق الكهولة، و حكمة تتبع الشيخوخة، أما أنتم يا بني أمي فقد وُلدتم شيوخا عاجزين ثم صَغُرَتْ رؤوسكم وتقلّصت جلودكم فصرتم أطفالا تتقلبون على الأوحال وتترامون بالحجارة.


إنما الإنسانية نهر بلوري يسير متدفقا مترنما حاملا أسرار الجبال الى أعماق البحر. أما انتم يا بني أمي فمستنقعات خبيثة تدبّ الحشرات في أعماقها وتتلوى الأفاعي على جنباتها.


إنما النفس شعلة زرقاء متقدة مقدسة تلتهم الهشيم وتنمو بالأنواء وتنير أوجه الآلهة أما نفوسكم يا بني أمي فرماد تذريه الرياح على الثلوج وتبدده العواصف في الأودية.


فماذا يحدث عندما يُهزم الضمير أمام مجتمع يتغذى على الغش والنفاق؟


تعالى نرى ماذا حدث في قرية تفتقر إلى أبسط القيم، حيث تتجسد حلقة مفرغة من الغش والفساد حيث كل طرف يساهم في انهيار المجتمع دون أن يدرك أنه ضحية لما صنعته يداه، فهو مجرم وضحية فى أنٍ واحد. تبدأ القصة من الفلاح الذي سقى البطيخ والخيار والبصل بمياه ملوثة ليبيعها ويربح، ثم يشتري من مربي الدواجن ديكًا رومانيًا محشوًا بالمسرطنات. أما مربي الدواجن، فهو نفسه يفضل لحم الخروف لأنه يعرف خفايا تجارته، لكنه لا يعلم أن الخروف الذي اشتراه قد نفخ بالكورتيكويد. 


الجزار، الذي يدرك جيدًا أسرار تربية المواشي، يهرب إلى سوق السمك ليبحث عن غذاء "طبيعي"، لكنه يشتري سمكًا صيد بالمتفجرات ومعه خيار وبصل من الفلاح الأول. بعد وجبته، يدخل الجزار في دوامة التسمم.


يتقاطع مصير هؤلاء عند الطبيب، الذي يغيب عن عمله لأسباب غامضة، ليكتشفوا أن ميكانيكيًا مكسور الأطراف موجود أيضًا بعدما انقلبت سيارته بسبب طريق هندسها مهندس فاسد سرق من أموال المشروع. المهندس نفسه، مكسور الوجه، بعدما فقد السيطرة على سيارته بسبب غش الميكانيكي في تثبيت مسمار سابقًا. 


وفي زاوية أخرى من القاعة، نجد صاحب مطعم مريضًا بمرض معدٍ بسبب حلاق أهمل تعقيم أدواته. أما الحلاق، فهو الآخر مسموم نتيجة وجبة فاسدة تناولها عند نفس صاحب المطعم، الذي لم ينظف أدوات مطبخه منذ عقود.


تجمع هؤلاء المصابين في عيادة الطبيب الغائب أشبه بمشهد عبثي لمجتمع يحتضر. يبدأون نقاشًا ساخنًا حول الضمير الميت، يتبادلون الاتهامات ويلعنون البلد الذي يعيش بلا أخلاق ولا أمانة.


لكن الحقيقة المؤلمة هي أن كل فرد منهم، بطريقته الخاصة، جزء من هذا الفساد. كل غش صغير، كل التفاف على القواعد، هو سهم موجه نحو قلب المجتمع.


الضمير ليس كلمة تقال في نقاش ساخن، بل فعل يومي يتجسد في الأمانة والإتقان. المجتمعات لا تموت فجأة، بل تنهار ببطء حين يستبدل الضمير بالنفاق، والصدق بالغش. 


هنا السؤال: هل نحن ضحايا؟ أم شركاء في الفساد الذي نعيش فيه؟


خلاصة القول:

حتى لو كـانت المشكـله التي تحدث قريبة منك لاتعنيـك. فلا تستخف بهـا لأنه من الممكن آن تؤثر عليك نتائجها لاحقـا. ليتنا نعمل بقول أرثر ميللر فهو من نادى بأن الحب هو شخصان مليئان بالاضرار، يتركان العالم جانبًا، ويحاولان ترميم بعضهما البعض بهدوء و رقة.



Share To: