دراما رمضان بين فوضى المحتوى وقرارات التصحيح | بقلم أ.د روحية مصطفى
![]() |
دراما رمضان بين فوضى المحتوى وقرارات التصحيح | بقلم أ.د روحية مصطفى |
قال الله تعالى: "ٱدْخُلُوا۟ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ" (سورة يوسف: 99).، شهر رمضان فيضٌ من الرحمة لا ينقطع، ونفحاته تتوالى، تحمل إلينا البركة والخير، وتمسح على قلوبنا بحنوٍّ إلهي. ومع بداية العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، جاء إلينا من لطف الله ما يطمئن نفوسنا، وكأنها بشارة خفية بأن الخير لا يزال يغمر هذه الأمة، وأن مصر، التي كانت ولا تزال أرض الأمن والإيمان، تستحق أن تشرق عليها أنوار الإصلاح والارتقاء، نحن أمة كُتِب لها الخير، وواجب علينا أن نرفع رؤوسنا، ونرتقي بما يليق بنا، فمن حقنا أن نُقاد إلى دروب النور، ومن حقنا أن يكون بيننا من يحمل راية الإصلاح، ليعيد للأمة مجدها ويصون قيمها.
وبقدر ما غمرتنا مشاعر الحزن والخزي مما تعرضه شاشات رمضان من مشاهد لا تليق بقدسية الشهر الفضيل، من عُري وخيانة وبلطجة وسفاهة وشعوذة، وترويجٍ لصورة مشوّهة لا تمتّ بصلة لشعب مصر الأبيّ، ذاك الشعب الذي حفر اسمه في سجل الخلود، وصاغ حضارته بمداد العزة على مر العصور، في ميادين الفن والتاريخ والمجتمع ، بقدر ما امتلأت قلوبنا اليوم بالرضا والسرور. إذ جاءنا الصباح بخبر أثلج صدورنا، وأحيا الأمل في نفوسنا، حيث أصدرت القيادة السياسية توجيهات صارمة بمراجعة ما يُعرض على الشاشات، في خطوة تعكس إدراكًا عميقًا لمسؤولية الإعلام في تشكيل وعي الأمة وحماية قيمها.
إن التأثير السلبي الذي تمارسه بعض الأعمال الدرامية لا يقتصر على الإساءة إلى الصورة المجتمعية، بل يمتد إلى تشكيل وعي الأجيال القادمة، حيث تسهم هذه الأعمال في ترسيخ مفاهيم العنف، والخيانة، والانحراف كأمور اعتيادية في حياة الناس، إن الأوطان لا تُبنى إلا بالثقافة الراقية والفن الهادف الذي يسمو بالمجتمع ويرتقي بأخلاقه، وفي هذا السياق، لم يكن غريبًا أن تحظى أعمال مثل "قطايف سامح حسين" بإعجاب واسع من الجمهور، لأنها قدّمت محتوى نظيفًا ومسليًا في الوقت ذاته، مما يدل على أن الفن الهادف ليس مجرد حلم، بل هو مطلب جماهيري حقيقي.
بل وزاد هذا الخبر بهاءً وسرورًا أن أعلن أحد المخرجين المعروفين بإثارة الجدل اعتزاله، وكأنها لمسة رحمة أرادها الله لمصر، لتستعيد شاشاتها هيبتها ورسالتها الحقيقية، فما ذلك إلا بشارة خير، وصفحة جديدة تُكتب بأيدٍ تسعى لإصلاح ما أفسده الفن الهابط، فجزى الله قيادتنا السياسية خير الجزاء، وأعانهم على تحقيق الأمن الفكري والثقافي لمجتمعنا، حتى تبقى مصر كما كانت دائمًا، بلد الأمن والأمان، وواحةً للاستقرار، ونافذةً حضارية مشرقة تُقدّم للعالم ثقافةً تليق بمكانتها.
ويبقى السؤال: هل نحن على أعتاب عصر جديد يعيد للفن المصري مكانته الأصيلة ويمنحه دوره الحقيقي في بناء الوعي والارتقاء بالذوق العام؟ إن نجاح هذه الخطوة لا يقتصر على القرارات السياسية فحسب، بل يعتمد على وعي الجمهور ودعمه للفن الهادف الذي يرتقي بالوجدان والعقل ، فالمجتمع شريك أساسي في عملية الإصلاح ، فهي ليست مجرد قضية فنية، بل هي معركة وعي وحفاظ على هوية ثقافية تضرب جذورها في عمق التاريخ.
وما بين الماضي العريق والمستقبل المأمول، تظل مصر أرضًا للخير والعطاء، تنبض ثقافتها بأصالة لا تندثر، ويبقى الفن المحترم الهادف مرآةً تعكس وجهها الحقيقي، نقيًا، راقيًا، ومعبرًا عن هويتها العريقة. وصدق الله العظيم حين قال: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" (سورة الرعد: 17).
Post A Comment: