شبح "الحوت" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 


شبح "الحوت" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد
شبح "الحوت" | بقلم الكاتبة السودانية تسنيم عبد السيد 



كأن أحداً ذاع فيهم: ترقّبوا "حوتاً" سيخرج عليكم من هذا الباب، وقفوا متوّجسين كمن ينتظر وفاءاً بوعد الحضور، فأوفى "الحوت" وأتى في الموعد تماماً بإطلالته البهية وحضوره الأنيق، أزال الهواجس وأعاد ترتيب فوضى القلوب، تسرَّب سريعاً لوجدان الناس واستقرَّ في ذاكرتهم..


قبول ومحبة كبيرة وجدها محمود عبد العزيز منذ بداياته، سحر الناس بصوته المميز والمختلف عن السائد وقتها، حتى أغنياتهم المسموعة ما عادوا يطيقونها إلا منه، فبصمة الصوت المميزة سرقت قلوبهم، وكأني بهم ولسان حالهم "ياريت لو في منك كتير"! في تلك البدايات نعم، كان الصوت هو جواز العبور لتلك المسامع والقلوب، لكن بمرور الوقت محمود لم يعد صوتاً جميلاً فحسب، بل كيان فني وإنساني متحرك، يحمل همّه وخيباته وأحزانه ويمشي بين الناس، يشاركهم مآسيهم ويضمد جراحهم فيزدادوا به تعلقاً، وفي كل يوم تتسع الدائرة و"الحوت" في مركزها لا يتزحزح، جيش جرار من المعجبين، دولة داخل الدولة مملكة اسمها "الحواتة" بزعامة "الحوت" الكبير محمود عبد العزيز، الذي أحبه الناس كأنه أول وآخر فنان، لا قبله ولا بعده..


تلك العلاقة العجيبة بين محمود وجمهوه جعلت من الصعوبة بمكان قبول أحد بديلاً عنه أو حتى يشاركه نفس المكانة والمحبة..


إحدى قريباتي لا تعرف تعصب الحواتة لمحمود عبد العزيز، عندما إستمعت لواحدة من أغنيات محمود بصوت مشعل الجيلي أُعجبت بها جداً وقالت: " بختو مشعل صوته سمح وجمهوره جاهز"..

ليتها بتلك البساطة يا صديقتي!


لذلك دائماً ما أجدني أشفق على الفنانين الذين تشبه أصواتهم طبقة صوت محمود عبد العزيز أو قريبة منه، أمثال: مصطفى حمزة، حسين حمد، مشعل الجيلي، حذيفة بورتسودان، محمد عثمان حوتة...، لا أظن أنهم وجدوا فرصتهم حتى الآن، فشبح "الحوت" يطاردهم، لاعتقاد كثيرين أن هذه ليست أصواتهم الحقيقية وإنما يحاولون تقليد محمود..


الفنان مصطفى حمزة كان يمكن أن يكون منافساً قوياً لمحمود عبد العزيز، فبينهم تشابه كبير في الأصوات، وتزامن ظهوره مع بدايات محمود، وكلاهما يغني نفس لونية الغناء "مدرسة الهادي الجبل"، لكن أحدهما سبق الآخر، و"الحشاش" ملأ شبكته وتسيَّد المشهد واعتلى القمة لأعواماً عديدة عن جدارة واستحقاق، وابتعد حمزة عن الأضواء رغم أنه يمتلك رصيد من الأغنيات الخاصة..


ومع كل ذلك أرى أن كثير من جمهور محمود عبد العزيز متفهمين وقادرين على التمييز بين ما هو جيد أو مزيف، وعلى أصحاب تلك الأصوات المدهشة أن يفخروا بها ويجتهدوا في مشوارهم ويصنعوا مجدهم بعيداً عن "جلباب" محمود عبد العزيز، فالطريق ليس سهلاً، ولا ينسوا وهم يبنون ذلك المجد لأنفسهم، أن يُغنوا أغنيات محمود لأجيال قادمة، لم يحالفها حظّها السيء أن تشاهد "الحوت" في مسرح الحياة..


أخيراً أردد مع الخال أمين محمد الطاهر بعض مما كتبه مودعاً إبن أخته محمود عبد العزيز: 


ما بس صوتك.. ولا غنواتك.. القصة بتكمن في ذاتك.. في السر الكامن في الاحساس.. في السر الأودعو رب الناس في ذاتك،،

ما بس صوتك.. ولا غنواتك.. ديل آخر آخر حسناتك،،

يا قاضي حوائج كل الناس.. بالليل والناس هماً نايمة.. ما مريّح بال كل الأجناس.. نغماً والناس غماً هايمة...

 



Share To: