حين هربتُ… وجدتني | بقلم الأديبة السودانية ندى موسى
![]() |
حين هربتُ… وجدتني | بقلم الأديبة السودانية ندى موسى |
من أرضِ السُّود أتيتُ مصرًا،
أحملُ خيبةً كبرى،
كانت الحربُ تسكنني،
وأوهَمتُ نفسي بأنني سأنجو
من طوفانِ قلبي،
من جُرحِ الطفولة،
ومن شقاءِ عُمرٍ طويل.
حزمتُ حقائبي،
وقبل أن أطويَ ملابسي
دسستُ مخاوفي بين ثناياها،
وأطبقتُ على روحي
قبل أن أُطبقَ على شفاهي.
لم تكن مصرُ يومًا عشقي،
أكرهُ الضجيج الذي يخصّها،
وتلك الصافرات التي تشقُّ رأسي
كأنها تجلد ذاكرتي.
لكنني أتيتُ دون خُطّة،
هربتُ من جنون فكري،
لألحقَ بجنونٍ آخر…
لا منطقَ فيه،
ولا ملاذ.
ما كان يغريني
سوى تلك المقاهي
بعبقها القديم،
بإرثها الذي يُفتنني،
بفوانيس رمضان
وطقوسِ الحبِّ التي تختبئ في الزوايا،
بتلك الأيادي المتشابكة
وتلك الكلماتِ المعسولة
التي يُتقنها العابرون.
ثم… أحببتُ مسافتي بين أنفاسي،
أحببتُ إعادة توازني،
وأحببتُ دور الثقافة
وهي تضجّ بالكلمات،
بالندوات،
بالوجوهِ التي تبحث مثلي
عن بعضِ إجابة،
أو شِعرٍ يعيد إليها يقينها الضائع.
لم آتِ طريدة،
بل أتيتُ هربًا منّي… لا أجدني.
ومع هذا،
في الزحام،
وفي ضجيج المدينة التي لم أحبّها،
أحببتُ ساكنتَها،
وأحببتُني… من جديد.
#ندى_موسى
Post A Comment: