حكم أكل لحم الخروف الذي تغذى على لبن كلبة ؟ | بقلم أ. د. روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


حكم أكل لحم الخروف الذي تغذى على لبن كلبة ؟ | بقلم أ. د. روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
حكم أكل لحم الخروف الذي تغذى على لبن كلبة ؟ | بقلم أ. د. روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


منذ عدة أسابيع رأيت على شبكة التواصل الاجتماعي فيدو يعرض أنثى كلب مربوطة إلى جزع شجرة ، ثم يقوم الناس بوضع الخراف الصغيرة تحتها فتشرب من لبنها ، وهذا في تقديري قد يرجع إلى أمور منها : موت أم الخراف ، أو كثرة عدد الصغار وضعف لبن الأم عن إشباع نهمة الصغار ، وقد يكون الطمع في تثمين الخراف في أسرع وقت بتعدد مصادر التغذية ، أو غير ذلك من الأسباب ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل لحم هذه الخراف التي تغذت بلبن أنثى الكلب حلال أكله ، أم حرام ؛لأن من المعلوم شرعاً نجاسة الكلب العينية عند جمهور أهل العلم ، ماعدا المالكية الذين يحكمون بطهارة الكلب ماعدا لعابه .

وبالنظر الفقهي في هذه المسألة، فإن هذا الخروف يُعد من "الجلالة"، وهي: الحيوان الذي غالب غذائه من النجاسات، والجِلَّة تطلق على البعر، ومنه سُمي الحيوان بذلك الوصف. وقد اختلف الفقهاء في حكم أكل الجلالة على أقوال:

القول الأول: يكره أكلها إن تغير لحمها أو ريحها بسبب النجاسة، فإن لم يتغير فلا كراهة، وهو قول الحنفية، ووجه عند الشافعية.

القول الثاني: يحل أكلها بشرط أن تُحبس وتُعلف بطاهر مدة تُذهب أثر النجاسة قبل الذبح، وهو قول الحنابلة.

القول الثالث: يحرم أكلها إذا ظهر التغير في اللحم أو الريح، أما إن لم يتغير فالأكل مباح، حتى لو لم تكن تأكل إلا النجاسات. وهو القول الثاني للشافعية.

القول الرابع: إباحة أكلها مطلقًا، ولو تغذّت على لبن الكلب، ما لم يكن اللعاب هو سبب النجاسة، لأنهم لا يرون نجاسة الكلب في نفسه، بل يخصّون النجاسة باللعاب فقط، وهو قول المالكية.

الراجح: إذا كان الخروف قد تغذى على لبن الكلبة بصورة عرضية أو قليلة، وكان أغلب غذائه من العلف الطاهر، فلا يُعد من الجلالة، ولا يُكره أكله، بل هو في حكم الحيوان الذي نال القليل من النجاسة مع غلبة الطيب، والأصل أن الحكم للغالب ، ومثل ذلك ما يفعله بعض المربين من إطعام الدواجن شيئًا من الدم أو المخلفات لغرض التسمين، ومع ذلك لا يُعد ذلك سببًا في تحريمها ما دام غذاؤها الغالب طاهرًا، ولم يتغير لحمها أو ريحها.

ثانيًا: إذا كان أكثر طعام الحيوان من النجاسات، وظهر أثر ذلك عليه في تغير رائحته أو نتن لحمه، فإنه يدخل في حكم الجلالة المنهي عن أكلها وشرب لبنها. وقد ورد في ذلك جملة من الأحاديث، منها: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما:«أن النبي ﷺ نهى عن لبن الجلالة» [رواه الترمذي وصححه].، وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "نهى رسول الله ﷺ عن أكل الجلالة وألبانها» [رواه الترمذي، بغسناد صحيح ]. وبناءً على ذلك، فإن الخروف الذي تغذى على لبن كلبة، ينبغي حبسه فترة زمنية يُغيَّر فيها غذاؤه إلى علف طاهر، حتى يغلب على الظن زوال أثر النجاسة.

وقد نص العلماء على مُدد حبس الجلالة بحسب نوع الحيوان، الإبل والبقر: أربعون يومًا، الغنم: سبعة أيام، الدجاج: ثلاثة أيام ، فإذا تم ذبح الحيوان بعد هذه المدة وظهر تغيّر في لحمِه أو ريحِه بسبب تغذيته السابقة، فلا يجوز أكله لورود النهي في السنة.

أما إن لم يظهر فيه تغير بعد مدة الحبس والتغذية الطاهرة، فيجوز أكله، إذ قد زال المانع، وارتفع المحظور ، وعليه، فإن هذا القول يجمع بين الأدلة الواردة في المسألة، ويراعي اختلاف أقوال الفقهاء، وهو أولى من الترجيح، لأن الجمع متى أمكن فهو مقدّم باتفاق أهل الأصول.  والله تعالى أعلى وأعلم.



Share To: