حمقاءٌ... | بقلم الكاتبة اللبنانية أ. دعاء قاسم منصور 


حمقاءٌ... | بقلم الكاتبة اللبنانية أ. دعاء قاسم منصور
حمقاءٌ... | بقلم الكاتبة اللبنانية أ. دعاء قاسم منصور



عجيبٌ أمرُنا نحن الفتيات؛ جميلاتٌ، مثقفاتٌ، مطلّعاتٌ، ذكياتٌ، متعلّمات… فإذا ما حادثنا من يثير إعجابَنا أو يشدّ قلوبَنا، انقلبنا فجأةً إلى حمقاوات!

نُغادر ساحة الفطنة، ونُطفئ بريق الذكاء، وننسى ما راكمناه من معرفةٍ على مدى شهورٍ وليالٍ. نُحدّثه وكأنّنا لم نقرأ كتابًا، ولم نعش خبرة، ولم نملك ثقافة. نصبح صفحةً بيضاءَ يخطّ هو عليها ثقافتَه الخاصة وحده. والأغرب أنّنا، خارج إطار حديثه، نبدو قادراتٍ على إدارة أمورنا بحنكةٍ وكأنّنا المتفوّقات على الشرق الأوسط بأسره!

ففي حضرة الإعجاب، يتهاوى العقلُ صامتًا… ويصير الحبُّ سيّد الموقف.


أهو سرٌّ غامض؟ أم سحرٌ خفيّ يمارسه من يحادثنا، فيُطفئ عقولنا؟ والأعجب أنّ كلّما تعاظم الإعجاب به، تزايدت حماقتُنا. فالحديثُ الأوّل بلا مشاعر يجعل الآخر يرى فينا جمال الداخل ونباهة الفكر. أمّا الحديثُ الأوّل بعد أن يتسلّل الإعجاب، فيُسقط عنا تلك الصورة، فيخيّل إليه أنّنا استعنا بعقلٍ آخر يوم حادثناه أول مرة… ليكتشف فتاةً مدهشة أمام الجميع، ضعيفةً أمامه وحده.


وأحسب أنّ الحبّ خصمٌ لدودٌ للمنطق. إنّه يخاصم كلّ شيء، مع أنّه الحقيقة الوحيدة الصادقة في الحياة، نعم ، كذلك؛ فالحب على خلاف أبديّ مع الحياة قالها أنطون تشيخوف. وآخرُ أعداء الحبّ هو الذكاء، ما أن يدخل الحبُّ من الباب، حتى يفرّ الذكاء من النافذة… تاركًا خلفه أجمل تناقضاتنا.


اللا منطق عنوانُ كلّ مرحلة. وكلّما تقدّمتُ في العمر، أيقنت أنّ هذا الكوكب مسكونٌ باللا منطق. فبدلًا من أن نُبهر من نُحبّ بذكائنا ومهاراتنا، ينطفئ كلّ ما فينا، ويغدو حديثُنا مبعثرًا، فوضويًا، ساذجًا… كأنّنا أضعنا هويتنا أمام أكثر شخصٍ نرغب به!


ولكأنّنا نؤجّل البوح بقدراتنا لنكشفها دفعةً واحدةً عند أوّل خلاف، فيردّد في سرّه: لو أنّ كلّ هذا النبوغ استُثمر في حبّنا، لما عرفنا الخلاف لحظة، ولما تردّدتُ في الغرق أكثر فأكثر…


فيا عزيزي الرجل الذي يأسرني، أنا قويّة، مبهرة، مليئةٌ بالقدرات… غير أنّي، أمام عينيك، لستُ سوى حمقاء! إذ أُحسن التدبير في كل شيء، إلا أمام عينَي من أُحب… هناك أغدو طفلةً بملامح النساء.


 إذًا، حين يغلب القلبُ العقل، نصبح أجمل الحمقاوات…

نُطفئ ذكاءنا أمام من نُحب، لنكتشف أن الحبّ ليس إلّا حربًا أبدية على المنطق.




Share To: