فجر جديد ميلاد أمة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


فجر جديد ميلاد أمة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
فجر جديد ميلاد أمة | بقلم أ. د روحية مصطفى أحمد الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


هذه هي السيدة آمنة بنت وهب المرأة العربية زوجة عبد الله بن عبد المطلب الشاب القرشي الهاشمي التاجر الذي وافته المنية وهي ماتزال حاملا في عدة أشهر ، فبرغم حزنها لفقدها زوجها ؛ لأنها كانت عروس جديد إلا أنها كانت تشعر بالسعادة لهذا الحمل الذي تركه لها عبد الله ، فقد كانت تلاحظ أنها لا تتعرض لأثار الحمل التي تنتاب النساء غالبا ، بل كان حملها خفيفا ، وله أثر طيب على نفسها وروحها ، ولما وضعته لم تجد في ودلاته معاناة النساء ، بل خرج منها نور أضاء المشرقين ، وولد الهدى واحتفى به جده الذي أراد له أن يكون محموداُ في الأرض وفي السماء ، فسماه محمد ،  وكان يقربه منه ويجلسه على فراشه الذي لم يسمح لأحد من أولاده أو أحفاده بالجلوس عليه ، ومن بركة ولادته أنه كان سبباُ في عتق الأمة التي بشرت به جده ، وفازت به حليمة السعدية من بين المراضع ، فقد أقبلت عليه واستبشرت به فكان خيراً وبركة عليها وعلى أولادها ومالها ، وبعد وفاة جده كفله عمه أبو طالب وكان له بمثابة الأب الحاني الذي لم يبخل عليه بمال أو عمل أو رعاية أو حماية ،  وبعد أن بلغ مبلغ الشباب كان له أن يتزوج ، فرزقه الله تعالى السيدة المصون الحسيبة النسيبة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها  تلك السيدة التي كانت لرسولنا الأكرم صل الله عليه وسلم زوجة وأما ومستشارة ، فقد ناصرته وعضدته في أحلك الظروف التي مر بها ، و حظيت الدعوة بمساندتها وحمايتها حتى توفاها الله تعالى ، ثم رزقه الله تعالى من بعدها زوجات صالحات قانتات ثيبات وأبكار، رائدات في مجال العلم والمعرفة ، فمنهن من نُقل على لسانها ربع أحكام الشريعة الإسلامية  ،ولولاها لضاعت سنة النبي صل الله عليه وسلم البيتية ، إنها بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها ، إن ميلاد المصطفى صل الله عليه وسلم فجر جديد بزغ نوره لينقشع به ظلمات الجهل ، تلك الظلمات التي  طالت فلذة كبدهم ، فقد هان فيها على الرجل أن يدفن فلذة كبده حية دون أن تتحرك مشاعره خشية أن يُعايره الناس بأنها أُنثى ، وعلى جانب آخر نجد زوجات معلقات لا هن مزوجات ولا هن مطلقات ، الواحدة منهن تركها زوجها وتزوج عليها وهضم حقوقها ، أو مثَل بها في الفراق ، فيُطلقها فإذا شارفت عدتها على الانتهاء راجعها وهكذا ، وإذا مات زوجها أُعتبرت كالمتاع تورث ولا ترث ، وأخرى ظاهر منها زوجها وحرمها على نفسه تحريما باتا فنالها الضرر ، وعلى صعيد آخر معاملات وعلاقات جنسية محرمة ، فظهرت عليهم آفات الأسواق من التعامل بالربا ، وتطفيف الميزان ، وأكل أموال الناس بالباطل ، والمعاملات التي تنطوي على غرر وضرر وجهالة ، كما كانت تتفشى فيهم فوضى الشهوات في النساء ، وشرب الخمر ، وعبادة الأوثان ، والعصبية القبلية وغير ذلك من عادات وتقاليد الجاهلية ، حتى ولد الهدى صلوات ربي وسلامه عليه ، فقد حفظه الله تعالى وأعده وهيئه لحمل رسالته إلى العالمين ، تلك الرسالة التي أخرج الله تعالى بها هذا المجتمع الجاهلي من ظلمات الوثنية إلى نور الحق ، فقد وجد فيها الضعفاء ملاذهم ، وتمتعت فيها المرأة بما لم تحصل عليه قبل ذلك في أمة من الأمم ، فقد احترم الإسلام ذاتها وضمن لها حقها في العلم والعمل والميراث شأنها شأن الرجل تماما ، بل جعلها في التكليفات الشرعية والعقوبات على حد سواء مع الرجل ، واحترم آدميتها وعزز إنسانيتها بأن جعلها مقصورة على رجل واحد بعقد شرعي يضمن لها حقوقها وحقوق أولادها ، كما حرم الربا لأن فيه استغلال لحاجة المحتاجين ، وأرشد الناس إلى التكافل والتعاون والتراحم ، وحرم السرقة والخمر والزنا والقذف والردة والبغي والحرابة ، ورتب لها العقوبات الرادعة ضمانا لمصلحة الفرد والمجتمع ، لم يكن طريق نشر رسالته صل الله عليه وسلم سهلا أو مفروشا بالورود ، بل واجه صداُ وتعذيبا وتدبيرا بالقتل حتى من أقرب الناس إليه ، فما أثناه عن دعوته  ، بل كان حافزاُ له ؛ لأنه الله معه وناصره فقد قيض له من كان سندا له وحماية وإن لم يكن على دعوته سواء في مكة أو دليل لطريق الهجرة ، حتى أنعم الله تعالى عليه ودخل مدينته وبنى دولته ووضع لها دستورها العادل الذي ضمن فيه لأهل الكتاب حق المواطنة والدفاع والعيش المشترك ، وضرب أعظم المثل في احترامه للآخر وحقه في العيش بسلام ، حبيبي يارسول الله يهل علينا في هذا الشهر الفضيل من كل عام هجري ذكرى ميلادك المبارك ، وبعيدا عن الإثارة الإعلامية والزوبعة الجدلية حول مدى شرعية الاحتفال بهذه الذكرى العطرة أم لا ، تلك الإثارة التي تأخذ حظها من البروز على الساحة الإعلامية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد للاحتفال وبين معارض لها  فلن أدخل في هذا النقاش ؛ لأنني أجد أنه من الغير لائق أن أُناقش مسلما لأقنعه بصحة وجواز الاحتفال بذكرى ميلاد المصطفى صل الله عليه وسلم ، فإذا كنا على المستوى الأسري نحتفل بميلادنا وميلاد أولادنا ونجعلها ذكرى لشكر الله تعالى على ماأنعم به علينا من نعمة الذرية الصالحة أو نعمة الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأم الذي يُشكل وجودهم في حياة الإنسان مصدر سعادة في الدنيا والآخرة إذا روعيت الحقوق والواجبات بين الجميع  ، فرسولنا الكريم أحق بهذا بل هو أولى ؛ فهو أجل نعمة أنعم الله تعالى به علينا فهو الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وهو السعادة لكل مسلم فقد دلنا على كل خير ، وأرشدنا إلى مايحقق لنا السعادة في الدارين ، فهل نسأل أنفسنا أنحتفل بذكرى ميلاده أم لا ؟! إن السعادة لا تسعد ولا تسمى سعادة إلا بسعادتنا برسول الله صل الله عليه وسلم الذي علق كمال إيمان المسلم بأن يكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين ، ولأنك أحب إلي من نفسي وولدي ومالي والناس أجمعين أحتفل بيوم ميلادك ياخير خلق الله ، ولما لا وقد احتفلت أنت به حينما سألك أصحابك لماذا تصوم يوم الاثنين والخميس ، فقلت ، أما يوم الاثنين فذاك يوم ولدت فيه ، وأما يوم الخميس فلأنه يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى ، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم  . ( رواه مسلم ) ، ذكرى ميلاد المصطفى صل الله عليه وسلم فرصة يجب علينا أن نغتنمها لتجديد العهد بتعاليمه والعمل على تحقيق قيم الرحمة والعدالة والتسامح في حياتنا اليومية ، ذكرى ميلاد النبي صل الله عليه وسلم فرصة لكل مسلم وبداية صفحة جديدة مع الله تعالى للمحافظة على الصلاة في أوقاتها ، وإخراج حق الفقراء من المال ، وقراءة القرآن ، والذكر ، والدعاء لجميع المسلمين  ، والمشاركة الإيجابية في العمل الخيري الذي يعود بالخير على الفرد والمجتمع كمساعدة المحتاجين ، وإطعام الطعام ، وتفريج كرب المكروبين ،وإغاثة المنكوبين ، ونشر السلام والمحبة بين الناس ، والبعد عن الكراهية والتمييز ، وتجنب إثارة المشكلات التي تؤدي إلى الانقسام والفتنة الطائفية ، وفي الجملة نجعل من ذكرى ميلاد المصطفى سبيلا وسببا للنمو الروحي بالتقرب إلى الله تعالى بكل عمل صالح .




Share To: