(التناغم والتوافق الروحي)
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد
لطالما اعتبرته إنسانًا يستحق الغبطة من يعيش تلك المصادقة، من يحتضن اسما الى جواره ويشعر تجاهه بألفة وينجذب إليه ويرتبط به بشدة.! لأن علاقاتنا بالبشر اشبه بالكيمياء، إما أن نتلاحم ونتفاعل ونترابط وننصهر وهذا نادر جدًا، وإما أن نبتعد ونتنافر وننفك ونتبخر لأسباب ليست مفهومة!
استوقفتني صداقة الكاتب الفرنسي -مونتين- مع صديقه الراحل -بلا بويسيه- وشعرت به جدا، لأني جربت هذا الشعور مرتين في حياتي؛ لا أعني صداقة العادة والمعرفة والعلاقات الاعتيادية المرتبطة بالمصادفة، بل صداقة الروح الملتحمة والمتناغمة بشكل كلي، تلك التي تسمح فيها لشخص ما بامتياز رؤية صورتك الحقيقية!
كُتب على صداقة -مونتين بلا بويسيه- أن تكون قصيرة على نحو مؤلم، أربع سنوات ثم توفى الأخير بعد صراع مع المرض، احتلت تلك الحادثة مخيلة -مونتين- إلى الأبد، واعتبر أن بقية حياته مقارنة بالأربع سنوات التي عاشها في صداقة لا بويسيه، مجرد رماد وليل مظلم وكئيب وأيام تمر بسأم!
ثم اكتشف الطريقة التي تعوّضه عن ذلك الألم بعد ثمانية عشر سنة من الفراق، وهي الكتابة في منزل على طرف باريس قرب الماء! قام بإعادة خلق الصورة الحقيقية لذاته التي أدركها لابويسيه، معتبرا أن سر ذلك التعلق الروحي في الصداقة أن نصادق شخصًا يُدرك ماهيتنا الحقيقية، لا لكونه لطيف أو ممتع فحسب! وأصبح هو نفسه على الورق كما كان في حضرة صديقه!
كانت كل كتبه ومقالاته مدفوعة بخيبة الأمل من عدم العثور على ذلك الإنسان الذي يفهم روحه ويتناغم معها كما حدث مع لا بويسيه، كانت تسليته هو الأمل بأن هناك شخص في مكان ما سيفهمه، عن طريق تلك المفارقة -التعبير عن أعماق ذاته للغرباء-
اختتم نص كتابٍ له بتلك العبارة -أشياء كثيرة لم أكن مهتما بالبوح بها لأي شخص، أصبحت أبوح بها للجميع، ولمن يود معرفة أشد أفكاري سرية، فقد بدأت أحيل أعز صديق لي إلى رفوف المكتبات!
Post A Comment: