(همسة من الحياة) ..
بقلم الأديبة د. جميلة الكجك 


همست الحياة للإنسان الذي فيَّ فقالت:
أيّها الإنسان ها هو عالمك الذي تعيش فيه قد أصبح الآن كأنما هو غرفة واحدة تسكنها مع الآخرين رغم أن لكل فرد منكم في هذه الغرفة ستائر تحجب عنه الغير وقتما يشاء وحيث يكون. لم يعد العالم قرية واحدة ولا حيًّا واحدًا ولا حتى منزلًا واحدًا. ها هو كوكب الأرض كله في الآن الذي تعيشه قد أصبح على بعد إزاحة الستارة التي تحيط بها نفسك أو على أطراف أنامِلك، بل هو أقرب إليك من لمعة الضوء إذ تطلبها. 
الآن يحضر إليك "أو تذهب إلى" كل مَنْ هو على كوكبك بل وما هو أبعد منه ماثلًا أمامك وإن لم تتمكن من لمسه بعد، ولا تدري ما قد يأتي به المستقبل القريب! 
وها هو فيروس واحد يتنقل بين ستائركم أيّها البشر، يخترقها بكل سهولة ويسر، فقط لأنّكم لم تتعلموا الدرس. ها هو فيروس ضعيف بسيط يهزّ وجدانكم والعقول. وها أنتم تقفون على مشارف عصر جديد.
العاقل منكم يقول: جائحة "كورونا" علّمتنا أن لا ندع الناس يلْمَسُوننا أو يشاركوننا حيز تنفّس أنوفنا المباشر، لكنّني لا أدري هل نسيَ هذا العاقل أو تناسى أن عليكم أن لا تُمكّنوا الآخرين من ذواتكم وذوات أحبّتكم وأموالكم بحيث يؤذونكم فيها. أهمس لك بهذا أيّها الإنسان لأنك لن تستطيع أن تكتشف الصالح من الطالح من الناس إلى الدرجة التي تمكّنك من إدراك حقيقته فتفهم مقاصده من خلال سلوكيّاته وإن لم يصرّح بها تصريحًا مباشرًا. أقول أنك لن تكتشف النوايا وأنت بعيد، لن تكتشفها إلّا إن اقتربت من الآخرين بحيث تقف على ما في نفوسهم. إنها خبرة قد تُكتب فيها مجلدات وليست هي بالخواطر العَابِرة، إلّا أن هذا الذي قلته لك "أيها الإنسان" هو أهم عِبَرِها. لذا لا أقول لك اعتزل الناس ولا أقول لك لا تقترب منهم، بل أقول خالطهم وأنت تتحفظ منهم فبعضهم شياطين إنس. وبعضهم فيروسات تدخل النفوس فتؤذيها أشد الإيذاء، وما عليك إلّا أن تتحفظ من "كورونا" البشر كما تتحفظ من كورونا الطبيعة سواء بسواء، فلا تحرم نفسك من خبرة مهما نقلها لك غيرك لن تقتنع بها إلا إن عشتها حقًا. ولتعلم أن علاج فيروسات الطبيعة أسهل بكثير من علاج فيروسات البشر، فالأولى تؤثر في الجسد أمّا الأخرى فتؤثر في الوجدان والعقل والجسد معًا. "كورونا" الطبيعة يستولي على الخليّة في جسدك، يتغذّى على مقدّراتها، يدمّرها، يغيّر هويتها لتصبح هي هو. و"كورونا" البشر يستولي على آليّات التفكير وأدواته ومنهجه عندك فيُحرِفك عن سواء السبيل!
 
Share To: